عماد مرمل
السفير
توحي جميع المؤشرات بأن الصيام في شهر رمضان لن ينسحب على الخطاب السياسي المتشنج، بل ان المقدمات كلها تنبئ بشهية مفتوحة على مزيد من السجال بين قوى 14 آذار والاكثرية الجديدة، لا سيما إذا عاد الرئيس سعد الحريري الى بيروت وحوّل الافطارات الرمضانية المرتقبة في «البيال» الى منصات لإطلاق الصواريخ الكلامية.
ولعل في مضمون البيان الاخير الصادر عن كتلة المستقبل ما يعكس منحى تصاعديا في مسار الوضع الداخلي، إذ كان لافتا للانتباه ان الكتلة اعتبرت ان سلاح حزب الله فقد شرعيته بعدما احتضن المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، في ما بدا انه رد على توصيف النائب نواف الموسوي للمتهمين الاربعة بأنهم قديسون وأيقونات.
وسبق ذلك توجيه اتهام مباشر من الرئيس سعد الحريري الى السيد حسن نصر الله بالاشراف المباشر على إدارة حملة إعلامية منظمة، تستهدفه شخصيا، لتحطيم صورته، وهو اتهام واكبه تهديد بفتح ملفات رموز الاكثرية على قاعدة ان الحصانة تكون للجميع او لا تكون لأحد.
كيف يمكن ان يتصرف «حزب الله» مع الارتفاع المستمر في منسوب الهجوم عليه؟
يهزأ العارفون بشؤون الحزب من فرضية ان السيد نصر الله قرر ان يخصص جزءا من وقته لتقفي أثر الحريري خارج لبنان ونبش ملفاته الشخصية، لافتين الانتباه الى ان هذه الفرضية تتجاهل أمرين:
- الاول، ان الصفات الشخصية لنصر الله وطباعه ليست من النوع الذي يدفعه الى تأدية مثل هذا الدور. وتروي قيادات في الحزب انها لطالما كانت تبادر الى الرد بقسوة على حملات الخصوم، من دون استشارة «السيد» لانه، لو سئل رأيه، فهو سيرفض تجاوز حدود معينة في التخاطب السياسي.
- الثاني، ان اهتمامات نصر الله الاستراتيجية لا تتسع للحرتقات الصغيرة، وهو يعطي الأولوية لمتابعة عملية تعزيز قدرات المقاومة وتطوير جهوزيتها من أجل مواجهة أي عدوان إسرائيلي، بل لإجهاض مثل هذا العدوان قبل حصوله، إضافة الى انشغاله بالتصدي لمحاولات استثارة الفتنة المذهبية التي تسعى أميركا الى تحريكها بأشكال مختلفة للتعويض عن إخفاقاتها السياسية والعسكرية في المنطقة، ناهيك بحرصه على نجاح عمل الحكومة التي تواجه تحديات صعبة في مختلف المجالات.
أما الحملة العنيفة التي يتعرض لها الحزب بسبب دفاعه عن المتهمين الاربعة واحتضانه لهم، فهي تترك داخل صفوفه مفعولا عكسيا يخالف توقعات أصحابها، ذلك ان الثقافة السائدة في الحزب تعيد إنتاج مفاعيل هذه الحملة بشكل مختلف، بما يولّد لدى المستهدفين بها شعورا بالرضى الداخلي.
وهكذا، فإن قياديي الحزب يتعاملون مع الانتقادات اللاذعة التي تطالهم، على قاعدة أن من واجبهم ان يأخذوا في صدورهم السهام التي توجه الى المقاومين، وان من أضعف الإيمان وأبسط التضحيات ان يتحملوا هجوما سياسيا او لفظيا من هنا وهناك دفاعا عن أولئك الذين قدموا دماءهم وأعمارهم في سبيل تحرير الارض المحتلة واستعادة الكرامة الوطنية.
ولا يتردد احد هؤلاء القياديين بالقول: «نحن نقبل ان توجه إلينا كل أنواع الكلمات القاسية، ونعتبر ذلك مساهمة متواضعة قياسا الى التضحيات التي يقدمها المجاهدون، لكن في المقابل نرفض بشدة ان يطال التجريح أي مقاوم. بالنسبة الينا السيد حسن نصر الله والمقاومون هم من المقدسات، شاء من شاء وأبى من أبى».
ويعتبر الحزب ردا على من يحاول استثمار فكرة الأيقونات والقداسة مسيحيا، انه من حيث الشكل، يعكس استخدام مثل هذه المصطلحات المستمدة من القاموس المسيحي انفتاحا فكريا وتفاعلا مع ثقافة أخرى من قبل تنظيم يحمل ثقافة اسلامية، الامر الذي يجب ان يسجّل له، لا عليه. أما في المضمون، فقد كان من الطبيعي - برأيه - التصدي لسعي المعروفين بارتكاباتهم، والذين أسماهم وليد جنبلاط «الملائكة الجدد»، الى تشويه صورة المقاومين الاربعة وتلطيخها باتهامات باطلة، تماما كما حصل في الماضي مع رمزي جبل عامل أدهم خنجر وصادق حمزة اللذين قيل عنهما زورا وبهتانا انهما من رجال العصابات وقطاع الطرق.
وفي كل الحالات، لا يرى الحزب في موقف كتلة المستقبل القائل ان سلاحه فقد شرعيته بعد احتضانه للمتهمين الأربعة أي جديد جوهري، وهو الذي يعتقد ان الهجمة على المقاومة مزمنة وتعود الى سنوات خلت، وان هناك من ينتظر المقاومة عند كل «كوع» للانقضاض عليها، مع تنويع في الذرائع تبعا للظروف، كما يُبين مسار الاستهداف منذ انقلاب الرئيس سعد الحريري على «الحلف الرباعي»، مرورا بحرب تموز، وصولا الى مؤامرة القرار الاتهامي.