الصمت لا يقتل

نشر الاسلاميون المصريون على جدران القاهرة في الايام الماضية ملصقات حملت عنوان «الديموكتاتورية»، وهي على خطورتها في الاعتراض على مجمل العملية السياسية التي اطلقتها الثورة المصرية والمبنية على الحاجة الى دستور مدني، لا تخلو من الطرافة في دعوتها الى مليونية الدفاع عن الهوية (الاسلامية) والارادة الشعبية، وفي شعارها القائل: «عفوا انا قفاي عزيز عليّ»، والمرفق برسم لرجل تلقى صفعة على رقبته.

الشعار يتسق مع تقليد مصري عريق تحول في الاشهر القليلة الماضية من عمر الثورة الى ثقافة عربية وعالمية، بعدما صارت هتافات الشبان والشابات المصريين وشعاراتهم ونكاتهم تتردد في اي تظاهرة في مختلف انحاء العالم، بعدما ترجمت الى لغات الشارع الفرنسي والاسباني واليوناني والبريطاني وحتى الاميركي.

كانت مصر ولا تزال متقدمة في هذا المجال، بالنظر الى تكوين شعبها وطبيعته، بعدما كانت تونس رائدة ، كما هو اليمن الان متميزا بشعارات ثورته الشعبية المستمدة من الوحي المصري والتي جرى تطويرها واكسابها بلاغة خاصة بالثقافة السياسية اليمنية الفريدة... اما سوريا فانها لا تزال متأخرة في ذلك السباق. ولولا اناشيد فقيدها الشاعر الشعبي ابراهيم قاشوش، لكان صوتها مخيبا... لا سيما في ضوء الشعارات المرتجلة الغريبة التي تطلقها كل يوم جمعة، وتثير اكثر من علامة استفهام، وآخرها الشعار المحير الذي اطلق يوم أمس ومفاده: «صمتكم يقتلنا»، والذي لا يمكن ان تكون المعارضة هي مصدره لما يوحي به من احباط ويأس.

قبل هذا الشعار كان المعارضون السوريون قد اطلقوا اسماء اشد غرابة على ايام الجمعة الماضية، تثير في غالبها الانشقاق في المجتمع اكثر مما تستدعي الوحدة، وتجري فرزا للمناطق والاعراق والطوائف اكثر مما تربط بينها، لاسيما منها جمعة العشائر ثم الحرائر ثم احفاد خالد بن الوليد... على الرغم من ان الشارع يعبّر بعفويته عن مواقف حاسمة من سلمية الثورة ووحدة جمهورها المتنوع، حتى ولو كانت المسيرات تفتتح بالتكبير وتنتهي به على دوي رصاص اجهزة الامن.

في شعار يوم امس، اتهام غير مشروع للخارج بأنه يقتل الثورة السورية، وهو ما لم يسبق لثوار تونس او مصر او حتى اليمن ان وجهوا مثله. بل كانوا على الدوام حريصين على القول إن ثورتهم هي من صنع محلي ولا تقبل اي تدخل خارجي، وهي لم ولن توافق على اي عروض خارجية للمساعدة... بل تحفظت حتى على محاولات التضامن الشعبي معها من قبل بعض المتحمسين في عدد من العواصم العربية والاجنبية.

ما لم يفصح عنه الشعار السوري العجيب الاخير كشفه عدد من المعارضين السوريين الذين وجهوا عبر الانترنت والتلفزيون نداءات الى الخارج العربي كي يدعم الثورة السورية، غافلين عن ان مثل هذه النداءات تسيء الى وطنية ثورتهم ويمكن ان تطعنها في الظهر، اذا ما استجاب بعض العرب وقرروا التدخل، الذي لن يكون ابدا في مصلحة عملية الاصلاح والتغيير المنشودة في سوريا، او اذا ما استجاب بعض الغرب وقرر التدخل على الطريقة الليبية...

يستحق مطلقو ذلك الشعار اكثر من ضربة على قفاهم.