كتبت ثريا شاهين في صحيفة "المستقبل": بدا القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما بالنسبة الى تحميل جهات محددة المسؤولية في موضوع استقرار لبنان، لافتاً، بحيث يتم تقييمه بمدى وجود مغزى سياسي له لا سيما في هذا التوقيت اللبناني والإقليمي.
والقرار جاء بعد خطوة لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس بإقرار قانون وقف المساعدات الأميركية الى لبنان، ما طرح أكثر من علامة استفهام حول ابعاد هذه المستجدات وتأثيرها في العلاقات اللبنانية ـ الأميركية.
إلا ان مصادر ديبلوماسية في العاصمة الأميركية واشنطن، تؤكد ان القرار الرئاسي الأميركي هو إجراء روتيني، كان انطلق على أيام الرئيس السابق جورج بوش، ويتم تجديد الالتزام به كل سنة في مثل هذا التاريخ. وطالما ان هذا القرار لم يتم إلغاؤه، وهو صادر بقانون، فيتم تجديده سنوياً. وبالتالي، فإن معناه يدل على ثبات الموقف الأميركي بالنسبة الى مسؤولية الجهات التي تهدد استقرار لبنان، لكن تجديد القرار في حد ذاته لا يحمل في طيّاته أي مغزى سياسي.
أما قرار لجنة الشؤون الخارجية، فلا يمكن اعتباره ملزماً وهو لا يزال في مراحله الأولية، إذ انه ليس قانوناً. لكن من أجل ان يتحول الى قانون، يجب ان يقره مجلس الشيوخ ومجلس النواب ليصدر في قانون عن الكونغرس الأميركي.
وحتى لو أقره المجلسان، فإنه، أي القانون، إذا لم يحظ بموافقة الرئيس، فإنه يسقط حُكماً. وليس هناك من اتجاه في مجلس الشيوخ الأميركي ذي الأغلبية الديموقراطية لتمرير هذا القرار الذي سيذهب في حال تواصلت خطواته القانونية الى مجلس الشيوخ أولاً، ومن ثم الى مجلس النواب.
إذا القرار سيتعطل، إلا إذا جرى اتفاق في ما بين الديموقراطيين والجمهوريين، الذين يسيطرون بدورهم على مجلس النواب.
فالإدارة ووراءها الحزب الديموقراطي، تريد الاحتفاظ بكل الخيارات كسلطة تنفيذية وان لا تكون مقيدة من جانب السلطة التشريعية بهذا الشكل. أي انها تريد حرية الحركة، بحيث يمكنها ان تضغط في موضوع وقف المساعدات، ويمكنها وقفها فعلياً ساعة ترى ذلك لازماً.
انها لا تريد ان يحرجها الكونغرس، ولا تريد ان تخسر من يدها ورقة ضغط. لذلك هي تقف رافضة وقف المساعدات للبنان حالياً. والتطورات اللبنانية والتقييم الأميركي لها، يحددان القرار الفعلي في هذا الشأن.
لكن خطوة لجنة الشؤون الخارجية يمكن اعتبارها للمدى الطويل وليست فورية، والأمر يعتمد الى حد كبير على المنحى السياسي الذي يتخذ، حسب التطورات اللبنانية، ومدى مراعاة الحكومة للقرارات الدولية.
وهناك مسألة أميركية لعلها أوسع وأشمل في تحديد مستوى المساعدات الأميركية للخارج بما في ذلك للبنان.
انها هم الموازنة العامة للدولة الأميركية، وإذا ما حصل اتفاق بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري حيالها، فإن ذلك سيبلور مستوى المساعدات الخارجية في تلك الموازنة، وبالتالي، ان موضوع المساعدات للبنان، هي تفصيل نسبة الى مصير المشروع العام للموازنة، بحيث ان عدم الاتفاق حوله سينعكس على كل شيء في السياستين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
وهناك مهلة لإمكان الاتفاق بين الحزبين حوله، تمتد حتى بعد غدٍ الثلاثاء في الثاني من آب، قبل دخول الكونغرس في عطلة صيفية. لكن العطلة الصيفية تبطل اجتماعاته كهيئة عامة انما يستطيع استكمال مهماته الى حد ما حيث يتعذر التصويت.
ثمة ضغوط قوية على الجمهوريين للتوصل الى تفاهم. هناك نزاع كبير بين الحزبين حيث كل طرف لا يريد تسهيل الأمور على الطرف الآخر، وسط خطورة خيار إعلان إفلاس الدولة الأميركية على الداخل والخارج الأميركي، بعدما دخل الوضع أزمة مالية منذ الـ2008، واضطرت الإدارة الحالية الى الانفاق الكبير لإعادة انعاش الاقتصاد ولم يتم التوصل الى النتيجة المرجوة. والضغوط على الجمهوريين هي للقبول برفع سقف الدين والتفاهم حول ذلك.
وأي إعلان لافلاس الدولة الأميركية سيجعلها توقف دفع ديونها. لكن الأمر لن يقتصر عند هذا الحد، انما سيؤثر في السياستين الداخلية والخارجية اقتصادياً وسياسياً، وعلى الخطط المستقبلية لواشنطن في هذين المجالين في كل المواقع في العالم، ومن بينها لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها من المناطق الساخنة.
من هنا، ليس هناك من زيارات لمسؤولين أميركيين الى لبنان خلال المرحلة القريبة، بسبب الغرق في الانشغال بالموازنة. لكن المصادر، لا تستبعد الوصول الى اتفاق بين الحزبين حول الموازنة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالداخل الأميركي، بل بالمسؤوليات العالمية التي تتولاها الولايات المتحدة. إذاً توجد مصلحة الشعب الأميركي كأولوية، والالتزامات الأميركية والدور الأميركي والوضع الأميركي دولياً، ما يحتم وصولهما الى اتفاق.