12 Jun 201316:30 PM
نصرٌ بطعم الهزيمة

سقطت القصير، تماما كما سقط حي بابا عمرو من قبل، والنتيجة واحدة: لم تنتهِ الحرب إثر هذا السقوط. لم يكن هناك استسلام لـ"التكفيريين"، لم تتوقف المعارك في بلاد الشام، ولم يسيطر الرئيس الاسد ومعه أمين عام حزب الله على سوريا.

 

ولكن كما جرت العادة، وبعد كل حدث مأسوي، (حرب تموز، 7 ايار) سارعت قيادة حزب الله بنشر رايات النصر مهللة بسقوط القصير، وأقامت الاحتفاليات الشعبية في مناطقها، ووزعت الحلوى على المارّة، وانطلق أسطولها من الدراجات النارية يجوب الشوارع منتشيا بنصر إلهي آخر.

 

وبموازاة الاحتفاليات بدأت التصريحات النارية لمسؤولي الحزب تتوالى:  "لا أحد يملي شروطه علينا"، (الشيخ نبيل القاووق) "من اختاروا الذل والإذعان لا يحق لهم الحديث عن شرف وكرامة الأمة" (النائب رعد)، "المستقبل اختار آكلي القلوب "(الشيخ نعيم قاسم).

 

ومن ثم الافتتاحيات في صحفهم: "لا تجربوا حزب الله، هو قوة إقليمية تتصدى لاسرائيل والولايات المتحدة ولها مشروع قومي عربي مشرقي". 

 

خطوات مدروسة في التوقيت ولكنها في مضمونها تستر مأزقاً كبيراً يلجه حزب الله. فالى جانب المأزق الاخلاقي الذي يشرّع الرقص على القبور، هناك الانكشاف العسكري والامني لمن يدّعي امتلاك قوة تغيير الشرق الاوسط، ومن أقنع ناسه أنه سيحتل شمال اسرائيل.

 

طبعا الإثم يجب ان يكون له ما يبرره، وكلما كبر الإثم، كلما هَزُلت الحجّة. "إنجاز القصير، يقول الشيخ نعيم قاسم، هو ضربة قاسية للمشروع الاميركي الاسرائيلي التكفيري".

 

عن أي إنجاز تراه يتحدث الشيخ؟ إلا اذا كان الإنجاز يكمن في محاصرة مدينة صغيرة بحجم القصير على مدى شهر، وتجنيد الجيش السوري الممانع بأكمله، بالاضافة الى النخبة المقاتلة في حزب الله، ودكّ المدينة بشراسة برّاً وجوّاً، ودفع فاتورة بالارواح عالية جدا؟ أين الانجاز في سقوط مدينة لم يكن ليتم لولا وساطة أبو تيمور وأبو مصطفى؟

 

الاستثمار السياسي لسقوط القصير جاء من أجل تهدئة الشارع الشيعي المتوجس، وتهديد الشارع السنّي الذي يغلي، ورسالة للاسرائيلي الذي يتحيّن. والسؤال: إن كانت القصير بتلك الاهمية الاستراتيجية التي يتحدثون عنها، وإن كانت بالفعل ضربة قاسية للمشروع الاميركي والتكفيري والاسرائيلي، ونقطة تحول، فلماذا تُركت لسنة بأكملها بين أيدي الثوار؟ ولماذا لم يفتح أبطال الممانعة جبهة الجولان كما وعدوا؟ أليس فتح جبهة الجولان ضربة أقسى للمشروع الاميركي الاسرائيلي التكفيري؟

 

هذا الاستثمار السياسي يريد القول إن حزب الله الذي يقاتل في سوريا لن يردعه شيء عن مواصلة قتاله فيها، حتى لو تسبب بمأساة اقتصادية، تضاف الى سجله في سنتي حكمه الاخيرتين، من جراء طرد اللبنانيين من الخليج، حتى لو أتت على حساب فتنة سنية ـ شيعية تشعل المنطقة بأكملها. هذا كله ليس مهماً، الأهم تنفيذ أوامر الولي الفقيه والسيد قاسم سليماني ولو أودت الى الانتحار. ألم يكن هذا فحوى اجتماع امين عام حزب الله بهم قبل وقت؟ ألم تكن تلك الرسالة المبتغاة من نشر صورة نصرالله مع الخامنئي من دون تعليق؟ فمن تكون حاله هكذا، لا يحاضر عن كرامة الامة.

 

على كل الاحوال، ما جرى في القصير سرّع من حدوث أشياء كثيرة، أولها بدء عملية توحيد المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري، بمساعي دول إقليمية، ما فتح الباب أمام إمكانية تسليح الثوار نوعياً، وفرض حظر جوي على سوريا، وهذا بالتحديد ما أعلنه السفير الاميركي بيكيرنغ أمس. وبهذا يكون سقوط القصير انتصاراً بطعم الهزيمة.