ملاك عقيل
Lebanon Files
"ان استعمال السلاح سيقابل بالسلاح، ولن ندخر جهدا لتجنيب الابرياء ثمن غايات سياسية وفئوية تريد خراب لبنان". هي الفقرة الاخيرة من البيان الاخير الذي صدر عن "قيادة الجيش" ووجهّت من خلاله نداء الى اللبنانيين دعتهم فيه "الى التنبّه لما يحاك من مخططات لاعادة لبنان الى الوراء واستدراجه الى حرب عبثية".
الرسالة من جانب اليرزة اتت اثر تكاثر الشائعات التي صبّت في خانة الاستهداف المباشر القاتل للجيش، تماما كما يستهدف عسكرييه باطلاق النار عليهم بدم بارد، وذلك بتصويره كفريق متآمر على جزء من شعبه.
هذا البيان لم يمنع، بطبيعة الحال، من رؤية المشهد الميليشيوي الدموي امام مقرّ السفارة الايرانية، والذي ارتكبته ايادي "مواطنين"، كما جاء في بيان القيادة. بيان لن يمنع، على الارجح، سقوط ابرياء من اجل لا شئ الا كرمى لعيون رموز سياسية عفنة. بيانٌ لن يمنع، طالما السكين السوري ينخر في الجرح اللبناني، من متابعة مسلسل الفوضى المنظّمة الممتدة من الحدود صوب الداخل المتفجّر من طرابلس الى البقاع مرورا بالجنوب.
وتحذيرات اليرزة في هذا السياق لن تلغي هذا الواقع الاليم الذي تآلف اللبنانيون معه. وجود الجيش في الزواريب وعلى الارض وفي مناطق الاشتباكات، وحتى امام ملعب كرة قدم او كرة سلة، ليس سوى دليل تخلّف وانحدار مستمر نحو الهاوية. الجيش المفترض ان يكون في ثكناته وعلى الحدود يقوم بما يفترض بقوى الامن الداخلي ان تقوم به. لكن هل بالامكان طلب العون من عاجز؟
حال القوى الامنية يصلح لرواية درامية. لا عتاد ولا عديد ولا قدرة على الاحاطة بكل براكين الداخل المتنقلة بين المناطق. من هنا جاءت المؤازرة من جانب الجيش الذي، الى جانب هذه المهمّة، يتولى في اغلب الاحيان اخذ مهمة حلّ الاشكال على الارض، من الفه الى يائه، على عاتقه.
لكن رغم سوداوية الصورة، والتي دفعت قيادة الجيش أخيراً الى اصدار بيانات تحذيرية يفترض بالسياسيين تعميمها وليس اصحاب البزات المرقّطة، يمكن القول ان اليرزة سجّلت في اليومين الماضيين تقدّما استثنائيا في معالجة الجرح النازف منذ 38 عاما بين باب التبانة وجبل محسن. ويفترض بالخطة الامنية ان تستكمل من دون وضع الغام امامها.
لا ضمانات طبعا بان "جبهة الاحقاد المزمنة" لن تفتح مجددا، لكن هذه المرة يقرّ مسؤولون سياسيون في طرابلس جدّيا بضرورة تنفيس الاحتقان، على ان تترك الامرة للجيش بعد 16 جولة دموية كانت نتيجتها تحويل صقور طرابلس الى نعاج امام امراء الزواريب.
تطوّر عاكس مختلف التوقعات التي روّجت للمحظور بعد سقوط القصير بيد الجيش النظامي السوري مدعوما من "حزب الله". وبدلا من ان يسترسل المكتئبون في تلاوة سيناريوهات الانفجار الكبير المتوقع بعد سيطرة النظام السوري على القصير، يدخل جرحى القصير من المقاتلين بمواكبة امنية الى الداخل اللبناني للعلاج (مع اقرار طبعا بقرب اعلان الاستسلام عن قدرة المستشفيات اللبنانية على استيعاب الاعداد)، ويسود الهدوء في الشمال مجددا، ويترك امر عرسال لبتّه بالسياسة من دون تنازلات مؤلمة. وصيدا تبقى تحت السيطرة، وابواق الفتنة تكسّر راسها في الحيطان، طالما ان مشروعها بقي اسير التهويل فقط. لكن، هل هو هدوء ما قبل عاصفة سبق وأن هبّت عشرات المرات؟