لا يحتاج المراقب السياسي، او حتى المواطن العادي الى كبد عناء لرؤية بلده تتآكل الديمقراطية فيه، وتتساقط مؤسساته الواحدة تلو الاخرى، وتتسابق الطبقة السياسية فيه على مستوى الرئاسات وسواها الى تصفية حساباتها على جثة ما تبقى من سمعة وهيبة الدولة، وآخرها ما جرى امام المجلس الدستوري، الذي انشطر على خلفية الولاءات والخلافات السياسية، وان تلونت الاجتهادات القانونية والدستورية، ولم يتمكن من الاجتماع لليوم الثاني على التوالي للبت في «الطعن المتلازم» (عدد 2) ضد قانون التمديد للمجلس النيابي حتى 20 تشرين الثاني من العام 2014.
وعلى خلفية التراشق بين جناحي المجلس (7 مع الطعن و3 ضد) والتي كادت تقترب من التشهير، انفجر الخلاف المتراكم بين عين التينة وبعبدا، وظهر الى العلن. اذ نقل نواب الاربعاء عن الرئيس نبيه بري ان السلطة التنفيذية، في اشارة الى الرئيس ميشال سليمان، تسعى لوضع يدها على السلطة التشريعية، عبر ضغوطات مورست على اعضاء المجلس الدستوري للسير في الطعن.
واستفاض بري في شرح ما وصفه بالملابسات التي احاطت بعدم اكتمال جلسة المجلس الدستوري امس الاول، معتبراً ان ما اقدم عليه القضاة الثلاثة (الشيعيان والدرزي) جاء التزاماً بالقانون والدستور ودرءاً لوقوع الفتنة.
وليلاً، آثرت مصادر وزارية مقربة من الرئيس سليمان، عدم الخوض في سجال مباشر مع عين التينة، لكنها قالت لصحيفة «اللواء» ان مواقف رئيس الجمهورية الدستورية والسيادية اثارت عليه مواقف 8 آذار، سواء موقفه من التمديد او رفضه لتدخل حزب الله في سوريا، او دفاعه عن سيادة لبنان، في وجه الاعتداءات السورية المتكررة، والتي كان آخرها امس قصف عرسال حيث اكد بعد التشاور مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الموجود خارج لبنان، حق لبنان في اتخاذ التدابير الكفيلة بالدفاع عن سيادته وحماية ابنائه وامنهم وسلامتهم، بما في ذلك تقديم شكوى الى الجامعة العربية ومنظمة الامم المتحدة.
واذ كانت بعبدا آثرت الصمت حيال هجوم الرئيس بري عليها، فإن اوساط وزارية لم تتوان عن سؤال رئيس المجلس عن اسباب ادراج سلوك القضاة الثلاثة المتغيبين عن جلسات المجلس الدستوري في اطار الحفاظ على مصلحة البلد ودرء الفتنة، وعما اذا كان يقصد بقوله هذا ان القضاة السبعة الذين حضروا لا يتطلعون الى المصلحة الوطنية ويتآمرون على البلد بحضورهم؟
وزاد من حدة هذا السجال، خروج رئيس المجلس عصام سليمان عن صمته، معلناً ان ورقة الملاحظات التي نشرت على لسان القضاة الثلاثة ملفقة، محذراً من انه سيضع محضراً وسيوزعه على وسائل الاعلام ليتحمل كل شخص مسؤوليته، في حين دخلت السفارة الاميركية على الخط في شكل علني، وغردت عبر «تويتر» ان على المجلس ان ينظر وبحكم بالطعون المقدمة اليه من دون اي تدخل.
وكشف سليمان ان الورقة التي قدمت للمجلس تضمنت طلباً بالاجتماع بالقادة الامنيين والعسكريين لمعرفة حقيقة الظروف الامنية الاستثنائية التي تحول دون اجراء الانتخابات الا ان الطلب لم يلب، باعتبار انه ليس من ضمن صلاحيات المجلس، وهو منوط بالمجلس الاعلى للدفاع والحكومة.
وفي تقدير مصادر مطلعة، أن السيناريو المرسوم لمصير الطعون أمام المجلس الدستوري، وانكشاف حجم الضغوط السياسية والتدخلات، سدد ضربة موجعة لهيبة القضاء، وأسقط رهان اللبنانيين على ابرز معاقل القرار الحر الواجب ان يكون في منأى عن الضغوط التي خرقت حصانته وأسقطت صفة الحيادية والعدالة عنه.
يضاف إلى ذلك، انكشاف حجم الصراعات بين السلطات في الدولة، أو ما بقي منها، واقتحام السياسة والمذهبية ارفع المؤسسات لتشل عملها، مما يدفع إلى التساؤل البريء عن كيف يمكن وصف حال الدولة وإلى أين يمكن أن تصل مؤسساتها من تفكك وانحلال وعجز عندما تشتعل الحرب الباردة بين المؤسسات، وتصبح عرقلة القرارات مصلحة وطنية وضرورة لدرء الفتنة؟
على أن الأخطر من ذلك كلّه، ما كشف عنه عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت الذي خرج متشائماً جداً من لقائه مع رئيس الجمهورية أمس، وأكّد لـ«اللواء» أن «حزب الله» تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأن البلاد دخلت فعلياً في الفتنة، مطالباً قوى 14 آذار بالاستعداد لصد هجوم الحزب، بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك المقاومة والتصدي، باستثناء السلاح، بعدما اسقط الحزب جميع مؤسسات الدولة، بدءاً من المؤسسات الدستورية، ومروراً بالمؤسسات القضائية، حيث تم إسقاط المجلس الدستوري بقوة السلاح بعد معركة القصير، وصولاً الى المؤسسة العسكرية التي بدورها سقطت في امتحان حادث السفارة الإيرانية.