16 Jun 201307:37 AM
عندما يقرر سليمان حماية سيادة لبنان

كارلا خطار

المستقبل

 

تمادى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور طويلاً في تمرّده على قرارات رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فقرر الأخير انطلاقاً من موقعه الدستوري ودوره في حماية اللبنانيين والأراضي اللبنانية، أن يكلّف مندوبي لبنان لدى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن تقديم شكوى على خلفية انتهاك الجانب السوري للأراضي اللبنانية. أخذ رئيس الجمهورية أخيراً الأمر على عاتقه، وهو لم يقم بذلك من منطلق فرديّ إنما بعدما علت أصوات المواطنين اللبنانيين القاطنين في المناطق الحدودية وارتفعت وتيرة تصريحات قوى 14 آذار المطالِبة بتحييد لبنان عن الصراع الدائر في سوريا.

واتّخذ رئيس الجمهورية قرار تقديم شكوى بالخروق السورية للأراضي اللبنانية بعدما أخذ النظام السوري "مجده" في دكّ القرى الحدودية اللبنانية بالصواريخ والقذائف وكان آخر تعدياته قصف المروحيات لبلدة عرسال البقاعية الآمنة. وإذا لم يعد بإمكان رئيس الجمهورية الاعتماد على وطنية وزير في الحكومة، فهل سيكون غريباً ما يشعر به الشعب اللبناني من فقدان للثقة بغالبية أعضاء حكومة بشار الأسد في لبنان؟ وإن كانت آذان الوزير المستقيل عن العمل لأجل لبنان صمّاء لا تسمع القصف فكيف بها أن تسمع مناشدات العرساليين لاستهداف الجانب السوري أملاكهم وأرزاقهم وأرواحهم؟

لكن في الواقع ليس من الضروري أبداً أن يحظى منصور بثقة اللبنانيين وهو أصلاً لم يحصل على لقب "وزير" لخدمة الشعب اللبناني، لأنه يلازم مكتبه مستقبلاً سفير النظام السوري بعد السفير الإيراني هكذا دواليك، فهل كلّف نفسه مرة زيارة المناطق التي تستهدفها المناطق السورية؟ من هنا لا يُلام الوزير لعدم تمكّن الشعب اللبناني من الاعتماد على خدماته وشعوره بالانتماء للبنان وتأمين الحماية لأبنائه ولأراضيه، تاركاً حدود لبنان مفتوحة والسيادة مخروقة تطبيقاً للمثل القائل "عين لا ترى، قلب لا يوجع"..

ويقدّم كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية نموذجين لشخصيتين لبنانيتين "لأكثر من 10 سنوات"، غير أن المفارقة تكمن في أن الثاني قرر أن يكرّس سنواته الباقية لخدمة "حزب الله" ومن خلفه النظام السوري والحرس الثوري الإيراني، والوقائع التي عاشها لبنان في السنة الأخيرة خير دليل على ذلك. فالوزير، على عكس ما يراه البعض، بأنه الوزير الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، لا يستخدم هذه "العطايا" إلا عندما يناديه الواجب "الجهادي" مخترقاً عزلته ونأيه وصمته ليدافع عن كرسي النظام السوري في جامعة الدول العربية..

وحين أدّى منصور "واجبه" على أكمل وجه مطالباً "بكرسي" الأسد نيابة عنه، بدا متفرّداً بين كل زملائه وزراء الخارجية العرب بهذا الموقف الفاضح أولاً بالنسبة الى لبنان وتالياً الى اللبنانيين الذين يشهد التاريخ على نصرتهم للضعيف والمظلوم في وجه الظالم والقاتل والمستبدّ. في المقابل، وباتّخاذ رئيس الجمهورية القرار بتقديم الشكوى، سيحفظ "ماء الوجه" لهذا الوطن الصغير الجريح، وسيمحو ما أمكنه من "جرصة" اللبنانيين في وسطهم العربي، ويردّ لهم اعتبارهم بعد الموقف المحرج الذي يريد البعض للبنان أن ينزلق إليه. وكما تردّد، فإن أوساطاً ديبلوماسية في وزارة الخارجية قرأت الموقف بالتأكيد على أن "إرسال شكوى لمجلس الأمن غير وارد، باعتبار أن الأمر سيشكل سابقة بين الدول العربية في تقديم شكوى أمام مجلس الأمن على خلفية نزاع بين دولتين منضويتين تحت لواء الجامعة العربية". يأتي موقف رئيس الجمهورية ليدافع عن لبنان ويصون وحدته وسلامة أراضيه مقابل دفاع وزير الخارجية عن موقع النظام السوري في الجامعة والتفريط بسيادة الوطن الأمّ.

ولا مانع من أن يسجّل رئيس الجمهورية "سابقة" بين الدول العربية في تقديم الشكوى لأسباب وطنية كثيرة، أولها أن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة والوحيد الذي أقسم اليمين الدستورية للدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه، وثانيها أن النظام السوري لم يعد عضواً في الجامعة العربية، وثالثها أن النظام السوري سبق لبنان في تقديم شكوى الى الجامعة بعد قضية الباخرة "لطف الله" تحت ذريعة عبور سلاح ومسلّحين من لبنان الى سوريا.

الأمر ليس كما يعتقد البعض "واحدة بواحدة"، لأن لبنان أمهل النظام السوري الكثير من الوقت الذي يمكن احتسابه بالسنوات.. تمادى النظام السوري 30 سنة في لبنان، قبل الوصاية وأثناءها وبعدها، فقد حان الوقت اليوم لتقديم شكوى بالخروق السورية من أي جهة أتت الى الجامعة العربية ومجلس الأمن. لبنانيون كثر ينشدون قيامة لبنان ويشدّون على يد رئيس الجمهورية لانتشال وطنهم من الكارثة التي جرّه إليها "حزب الله". ولمن يدافع عن "حصة الأسد" في سوريا ولبنان، فقد آن الأوان لأن يفكّ الأسد أسر البلدين ويهرع مع "حصّته" الى تحت "تاسع أرض".