الإيعاز إلى لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني لإفهام الفلسطينيين أن الإجراءات المتخذة هي لمصلحتهم أولاً وأخيراً». هي إحدى العبارات التي ترد في البند الـ39 من جدول أعمال مجلس الوزراء ليوم الثلاثاء المقبل، الذي يرد تحت عنوان بريء ولا يمكن معارضته، ألا وهو «عرض وزارة الداخلية والبلديات موضوع تزايد عدد مخالفات البناء في الضاحية الجنوبية، وفي مخيمي برج البراجنة وشاتيلا ومحيطهما، وطلب السماح بترميم الأبنية المعرضة للانهيار والمنشأة سابقاً بصورة مخالفة». طبعاً لن يتسنى للوزراء متابعة ما دبجه وزير الداخلية في هذا البند، فهم يثقون بأن هذا الوزير يتحلى بكل صفات وزير الدفاع السابق إلياس المر، وهم يثقون بحكمته التي ظهرت منذ لحظة توليه المسؤولية، ولا تزال، أضف الى ذلك أنهم يشعرون بالضجر من ناحية من جدول الأعمال، كما أنهم يشعرون بالحرج الشديد من الملف الفلسطيني لعدة أسباب، ربما أهمها أن معظمهم يوافق على تصفية وجود الفلسطينيين في المخيمات، وعلى ترحيلهم الى دول لجوء غربية تتولى تذويب هويتهم. من وقف مخالفات البناء وترميم أبنية في عنوان البند لا يبقى في النص إلا منع إدخال مواد البناء لمنع الاستفادة منها في العمليات العسكرية، ولا يبقى من الترميم إلا منع البناء والإنشاء وضبط الدخول والخروج من المخيمات للراجلين والآليات، والاستفادة من تجربة نهر البارد.
هذا البند المقدم من وزارة الداخلية بالاعتماد على رأي وزارة الدفاع، ويضم العديد من الشكاوى من كافة القوى، من بلدية الغبيري ومن داخل المخيمات الفلسطينية، لا يشرح ما هي تجربة مخيم نهر البارد، وإن كانت الحكومة اللبنانية الحالية، شأن كل سابقاتها، لا تعطي كثير أهمية لرأي مواطنيها، أو لإطلاعهم على ما صرفته من أموالهم، وزجها بأبنائهم، في معركة قتل فيها 210 جنود لبنانيين، وجرح 3700 جندي، وقتل مثلهم من «تنظيم فتح الأسلام»، وجرى تدمير مخيم وفقدان 40 الف إنسان فلسطيني في هذه البلاد أرزاقهم ومنازلهم بالكامل، فما كانت تلك التجربة؟ ولم تكلف وزارة الداخلية ولا الدفاع نفسيهما الشرح لمجلس الوزراء ما هي الخلاصات والتجارب المستقاة من نهر البارد، لا في هذا البند المقدم من وزارة الداخلية، ولا في أي مجال آخر. ولم تُفد بعدد الفلسطينيين المشاركين في الأعمال الحربية ضد الجيش في المخيم المذكور مقابل نسبة المقاتلين العرب، ولم تطلع المجلس من أين أتى المقاتلون، ومن هم، ولماذا لم يحاكَم من اعتُقل منهم، وما هي الخلاصات المتأتية من التحقيقات، ولماذا رُفض العرض الذي قدمته قوى فلسطينية متعددة للدخول الى مخيم البارد وتصفية الوجود العسكري لفتح الإسلام فيه. وما هي الفائدة من تكريس حصار جديد لكل المخيمات الفلسطينية اليوم؟ ولماذا إغلاق المداخل الثانوية الى المخيمات، والحفاظ على 3 مداخل فقط لكل مخيم، ومنع المباني في المخيمات التي لم يرد أنها تمثّل خطراً على سلامة الطيران المدني في مخيم برج البراجنة، بل ورد حرفياً «إمكان استخدامها لأغراض عسكرية ونقاط مراقبة ومراكز قتالية»، علماً أن مخيم البرج يقع في منخفض، والمباني التي يقال إنها ترتفع 20 متراً (خمس طبقات)، تعد ساقطة نارياً من الطريق العام الرئيسي (طريق المطار).
في تجربة نهر البارد الكثير مما يمكن أن يقال، من الدور الأميركي، والطموح الرئاسي، ومستوى الإجرام الذي مارسه البعض لتحقيق أغراض سياسية وطموحات شخصية، وتعهدات الرئيس فؤاد السنيورة والوزير الياس المر للأميركيين والغربيين، التي يجري الإيفاء بها اليوم حرفياً، تحت ستار «حكومة حزب الله». وفي تجربة نهر البارد ما يجب أن يقال عن الفخ الذي نُصب وأُطبق على مقاتلين ظنوا أنهم سيواجهون العدو الإسرائيلي، وتجمعوا لتجري إبادتهم في مخيم أُخلي من السكان مع وعد رُفع على كل لوحات الإعلانات «العودة أكيدة». وفي تجربة نهر البارد ما يجب أن يقال عن فساد الهيئات الراعية للفلسطينيين، لبنانية وغربية خاصة، وعن رواتب ونفقات تجاوزت بقيمتها كلفة إعادة بناء المخيم، بينما سكانه لا يزالون يعيشون الى اليوم في مستوعبات حديدية. وفي تجربة نهر البارد ما يجب أن يعلن عن دور المخيم في التجارة في محيطه، حيث كان يخرج من المخيم من الإسمنت أكثر مما يدخله، وكان يبيع المناطق المحيطة به مواد البناء، فما هو حجم استفادة فتح الإسلام من مواد البناء؟ وما هي القوى التي يمكن أن تراها وزارة الداخلية اليوم مكان فتح الإسلام في برج البراجنة، أو عين الحلوة أو شاتيلا أو أي من المخيمات الأخرى؟
لكن للأسف فإن المطلوب عملياً هو مجرد خنق 400 ألف لاجئ فلسطيني مقيمين شرعاً على أرض لبنان، والتضييق عليهم بغية تهجيرهم الى أي مكان، إلا أرضهم، ومع ذلك نرفع شعار الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني.
تكرار تجربة نهر البارد يكون عملياً في ممارسات تشبه ما يقوم به وزير الداخلية، هي الخطوة الأهم لتهيئة أرضية لفتح الإسلام الجديدة.
شكراً مروان شربل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك