يبدي بعض رؤساء البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان تردداً في شأن تركهم العاصمة اللبنانية الى بلدانهم او بلدان أخرى في عطلتهم الصيفية نتيجة خوفهم من تطورات قد تحصل وهم في الخارج. فهناك الكثير من المخاوف غير المعلنة مما يمكن ان يتطور اليه الوضع في لبنان او ان يكون ساحة له حسب التطورات في المنطقة وخصوصاً في ظل احتمال تحريك جبهة الجنوب، تخفيفاً او صرفاً للأنظار عما يجري في سوريا مثلاً، ولو ان هناك أسباباً منطقية تفترض استبعاد مثل هذا الخيار. ومع ان لبنان لا يحظى بأي اهتمام دولي في ظل انشغالات أكثر حيوية للدول الكبرى ونتيجة تعب و"زهق" منه اضافة الى غياب قضية مهمة على اي مستوى راهناً، فان هذا الاحتمال لا يسقطه هؤلاء من اعتبارهم بناء على ان ما يجري في سوريا يمثل استحقاقا مصيرياً غاية في الخطورة على افرقاء لبنانيين واقليميين لن يكون سهلاً التنبؤ برد فعلهم حياله.
يضاف الى ذلك وجود عوامل داخلية مقلقة أحدها هو منحى التطورات السورية المتفاقمة يوماً بعد يوم على نحو يمكن ان يرتد سلباً او ينعكس على لبنان. والآخر هو تصاعد التوترالسياسي بين الافرقاء الاساسيين في لبنان على وقع ما تثيره الحوادث السورية من اضطراب، ولو ان ذلك لا يعلن، الى جانب خلفية الصراع الداخلي المتزايد والذي تشي به المواقف المعلنة التي تنطوي على تشنج كبير بفعل الانقسام العميق الحاصل حول كل الامور الاساسية تقريباً. إذ انه بالنسبة الى العامل الأول فان حوادث امنية عدة متفرقة حصلت في لبنان وعلى صلة في شكل او في آخر بالتطورات السورية من دون ان تظهر السلطات اللبنانية اي قدرة على ضبطها بما لا يشجع على الثقة بامكان تصديها لتحد كبير يمكن ان يواجهها يفعل التطورات السورية التي تلقي بثقلها على لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وكان آخر ما حصل في هذا الاطار التظاهرة الداعمة للنظام السوري والتي اتخذت منطقة الجديدة في المتن ساحة لها في ما بدا بالنسبة الى المراقبين انه استفزاز مقصود كونه يجري خارج البيئة التي تتفاعل من ضمنها القوى التي نظمت التظاهرة اذ ان هناك بيئات اجتماعية وطائفية أكثر ملائمة لها وفي نقطة رمزية هي مكان اغتيال النائب بيار الجميل على نحو ينذر بتحد كبير يمكن ان يجر الى فتنة تنطلق من المناطق المسيحية اذ كان في امكان حزب الكتائب اللبنانية ان يجمع الآلاف تصديا لذلك لولا انه واع لمثل هذا التحدي وما يعنيه وفق ما قال النائب سامي الجميل. ومع ان هذا المشهد يذكر كثيراً بالاحتفالات التي كانت تختارها الأحزاب الحليفة لسوريا في جونيه ابان عهد الرئيس إميل لحود من حيث طابعها الاستفزازي من جهة والتعبير عن كسر ارادة البيئة السياسية التي تقام فيها هذه الاحتفالات من جهة أخرى، فان الأمر مختلف في ظل احتقانات طائفية ومذهبية موجودة وتتفاعل أياً تكن المنصة او المكان التي تعتمد لاطلاق هذه الفتنة.
وهناك عين على ما حملته التطورات الأخيرة من توقيف لبنانيين على خلفية الموضوع السوري كما على التظاهرات في طرابلس الداعمة للشعب السوري كل اسبوع بعد صلاة الجمعة على نحو يعكس توترات لبنانية متنقلة وكل منها تحمل بذور ترجمة امنية محتملة.
وتلفت هؤلاء ما تثيره مواقف دعاة الحوار انفسهم من مخاوف من الفتنة على خلفية التطورات الداخلية المتفاعلة المتصلة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فضلاً عن مفاعيل اسقاط ما كان يسمى حكومة الوحدة الوطنية مضافا الى هذه جميعها ما يجري في سوريا من تطورات. فهذه الدعوات الى الحوار تعطف على التحذير من اسقاطه او عدم حصوله على اساس ان الفتنة هي البديل منه شأنها في ذلك شأن التحذيرات من ان استقرار لبنان مرتبط باستقرار سوريا وأمنه أيضاً مرتبط بأمنها. وما دام الحوار ليس مرجحاً في وقت قريب ولا أحد يبدو مستعداً له لحسابات اقليمية ومحلية على حد سواء على رغم كل كلام مغاير وما دامت سوريا غير مستقرة والأمور بدأت تفلت على صعد عدة، فان المرجح ان يترك ذلك المجال واسعا للتخوف من البديل اي الفتنة التي يحذر منها المسؤولون اللبنانيون. علماً ان تأثير ذلك فعلا على السياسيين لا يبدو كبيراً، في ظل اصرار علني من كل الجهات المعنية على رفض الفتنة او الانجرار اليها علماً ان لا ضمانات مؤكدة يمكن احداً ان يقدمها في هذا الاطار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك