ميشال طوق
Lebanese-Forces.com
منذ بداية المعارك العسكرية في سوريا بين نظام الاسد ومعارضيه، يَصل الينا كُلّ فترة شريط مُصَور عن الفظائع من عمليات تعذيب وتَنكيل وقتل مِن قِبَل الأطراف المُتنازعة ومِنها ما تقشعر لهُ الأبدان للكمية الكبيرة من الاجرام والحقد التي يَختَزنُها هؤلاء المجرمون والارهابيون الذين ارتكبوا أبشع الجرائم في التاريخ الحديث، على الاقل الجرائم المُوَثّقة بالصوت والصورة.
لقد مرّت علينا حروب كثيرة منذ مُنتصف سبعينيات القرن الماضي حتى تسعيناته وكانت في بعض الأحيان من أقسى الحروب والمعارك التي عرفها الانسان، ومع أنها كانت بين إتنيات وأديان وجنسيات مختلفة، لكنها لم تصِل الى هذا الحدّ من الإجرام وبالأخص أنّ ما يحصُل في سوريا هو بين أبناء وطن واحد ودين واحد.
الغريب أنّ المُجرم المُنفّذ للجريمة يبتسم ويمرح أمام الكاميرا وكأنّ ما يَفعلُه هو تمثيل بأدوات وأشخاص بلاستيكية كأفلام الرُعب الهوليودية التي اعتدنا مُشاهدتها منذ كُنّا صغاراً.
بعد الإنتهاء من تعذيب الضحية وقتلها وارتواء ظمأ قاتليها، نسمع الصراخ والتهليل وما يُسمّونه بالتكبير، أي الصراخ “ألله وأكبر”. كُلّ ذلك العمل الدنيء والشنيع والشائن والمُهين والمُروع والجبان يُنهونه بكلمة ألله وأكبر!!! وكأنّهُم يوحون لنا بأنهم يُنفّذون ارادة الله في تعذيب إنسان حتى الموت ببتر أعضائه وغرزه بالخناجر وتقطيعه، وأحياناً أكله.
بعد مُشاهدة كلّ شريط، كان ينتابُني شُعورٌ ممزوج بالقرف والاشمئزاز من جهة، وبالحُزن والأسى والمرارة من جهةٍ أُخرى، وكنتُ أتساءَل دائماً، مَن هو هذا ال ألله الذي يُنادون به؟ من هو هذا ال ألله الذي يسمح لأشخاص مجرمين كهؤلاء بسلب حياةِ إنسان بأبشع الطُرُق، حياةٌ خلقها هو ووحده له الحق في استرجاعها!!!
فقررت التفتيش عن هذا الألله علّني أجده وأتعرف عليه. فكان طبيعياً وبما أنهم مسلمون، أن أبدأ التفتيش من القرآن الكريم. بعد بَحثٍ طويل في السُوَر، وجدتُ الكثير من الآيات التي تُحرّم القتل والتي توصي باللاعنف والعفو والصفح والرِفق ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
سورة النساء 92: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”.
سورة النور 22: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.
سورة المائدة 13: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمحْسِنِينَ”.
وأكثر من ذلك، خلال بَحثي فاجأني كثيراً ما وجدت. وهنا أعتَرف أنّهُ لم يكُن لدي الّا فكرة بسيطة جدّاً عن القرآن. وجدت الآيات التالية وهي على سبيل المثال لا الحصر لأنه يوجَد الكثيرُ غيرها، والتي هي أيضاً تُلزم كُلّ مُسلِم على تَطبيقها بِما أنّ القرآن مُنزَل حسب إيمانِهم مِما يَعني أنّ كُلّ كَلمة وآية واردة فيه هي كلام الله:
سورة النساء 171: “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ”.
سورة أل عمران3: “نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ”.
سورة يونس 94: “فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ”.
لذلك، وبِناءً عَليه، فهُم أيضاً مُلزَمون بما وَرد بالانجيل المُقدّس لأنّهُ وحَسب الآية الثالثة من سورة آل عمران، فهو مُنزَلٌ من عند الله وكلامُ الله لا يَزول. سأورِد بعض الآيات من الانجيل والتي تَختصر الكثير الكثير من الآيات التي تُعالج هذا الموضوع بالذات:
لوقا 6:37 وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.
القديس بولس الى أهل رمية 12:18 إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. 19لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. 20فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.
رسالة القديس بطرس الثانية 2:12أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ. لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا، لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ، خَادِعُونَ النُّفُوسَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ. لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِي الطَّمَعِ. أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ.
فبإسم أي ألله يُنادي هؤلاء القتلة المُجرمون؟ فَهل يوجَد حقاً أي إلهٍ يُمكن أن يسمح بهذا؟ على الأقل نَعرف أن لا ألله القرآن ولا ألله الانجيل يُمكن أن يسمحوا بِكُلّ هذا الإجرام الحاصل.
فيا مَن تُشَوّهون صورة الله الناصعة والمُقدّسة بأعمالِكُم السوداء والمُدَنّسة، لقد كَفرتُم بالله وأنبيائه ورُسُله بِما اقترفت أيديكُم، لكنّالله مُسامح وغفور ورحوم يُمهل ولا يُهمل، فما من خيارأمامكم الّا التوبة من أعماق قلوبكم والتكفير عن جرائمكم وإلا فمصيركم الجحيم وناره الأبدية.