عد سبع سنوات وسبعة أشهر على لقاء مار مخايل في 6 شباط من العام 2006، وُضعت وثيقة التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» تحت مجهر مراقبي العلاقة بين الطرفين وسط عدد من السيناريوهات المتناقضة الواقعية منها وغير الواقعية، في ظلّ ما يشي بوجود جمر تحت رماد الأزمة. فما هو المطروح؟
ما عدا اروقة حزب الله المغلقة والتي تتسع لفرق عمل متعددة تتولى إدارة الشؤون في مختلف وجوه علاقات الحزب مع الداخل والخارج، يبدو انّ ملف العلاقة بين الحزب و"التيار الوطني الحر" الذي تأسس على قاعدة " تفاهم مار مخايل" قد وضع للمرة الأولى على جداول اعمال اللقاءات اللبنانية الداخلية، وما بين المتعاطين، ملف الوضع المتفجر في سوريا تزامناً مع تعاظم دور "الحزب المقاوم" وخروجه من عباءته اللبنانية الى القصير التي شكلت له "العباءة الإقليمية" في الطريق الى "العباءة الدولية" بعدما أصبح لاعباً اساسياً على الساحة السورية الداخلية، شاء من شاء من القوى الدولية العظمى او الإقليمية والمحلية وأبى من أبى.
وعلى هذه الخلفيات، يرى المطّلعون على العلاقة بين الحزب و"التيار" انها ليست المرة الأولى التي ينهمك فيها فريق مصغر من قادة "التيار" ببحث جدي في مستقبل هذه العلاقة. فالتجارب السابقة التي عدّها او اعتبرها التيار خروجاً على بنود التفاهم التاريخي متعددة، لكنّ النقاش فيها بقي محصوراً في دوائر ضيقة ما بين الطرفين، وجاءت مناسبات وإستحقاقات عدة لطيّه الى أجل، فختم الجرح على زغل. كان كثيرون من قادة "التيار" يشعرون بأنهم مغيبون في كثير من التفاهمات التي تفرّد الحزب بها في السياسة الداخلية قبل ان يكتشفوها مع سواهم من اللبنانيين متى انتهت فصولها السرية وظهرت الى العلن. والأمثلة على ذلك كثيرة.
فهناك من يعتقد انّ حزب الله الذي اقفل خزائن أسراره على الجيش اللبناني والمؤسسات الرسمية، على اساس انّ المقاومة عمل سري ومن الواجب حمايتها بكل الوسائل الممكنة، لا يمكنه إفشاء سرّه لأحد، لا لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون، ولا لغيره، فعمليّة خطف الجنود الإسرائيليين التي فتحت باب جهنم على اللبنانيين في 12 تموز ولمدة 33 يوماً عبرت بأقل الخسائر الممكنة على العلاقة بين الطرفين. ذلك ان ما رافقها جعل البحث فيها تافهاً بعدما شارك "التيار" الحزب في تبني الإنتصار وتصويره انتصاراً قل نظيره على جيش من هذا النوع.
أضف الى ذلك، أنّ قادة الحزب والتيار يعترفون معاً بأن نتائج الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان، قد عززت العلاقة بين الطرفين على خلفيات انسانية وإجتماعية رافقت العناية بالمهجرين اللبنانيين على ارضهم (وكان التحالف حديث الولادة لم يتجاوز الأشهر الخمسة بعد) علماً انّ هذه العناية لم تقتصر على دور عون في توزيع المساعدات العربية وغيرها على النازحين، واعتبار انّ ما جرى من تدمير للجسور في لبنان لا يقاس بما حققته المقاومة، في رأيه يومذاك.
لكنّ هناك إستحقاقات أخرى كان الحزب المسيحي الحليف يرغب في ان يكون شريكاً فيها لكنه ظلّ خارج اسوارها العالية، فبقي شريكاً في بعضها كالشراكة التي ارادها الحزب له في "مفتاح كنيسة لاسا" المدمَّرة والخلافات العقارية بينها وبين جيرانها وصولاً الى أحداث المرامل في حراجل، الى ان ظهرت بوادر الخلاف بين الطرفين في ملف المياومين وعمال الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان، فكانت المواجهة مباشرة بين حركة "امل" من جهة ووزير الطاقة جبران باسيل من جهة أخرى، فسجل التيار على الحزب سكوته ووقوفه متفرجاً على ما يجري.
وتعترف اوساط "التيار" بأن "كل هذه المراحل عبرت، اما اليوم فالوضع مختلف، فوقوف الحزب الى جانب "التيار" في المشروع الأرثوذكسي بدا هزلياً في جانب منه، "لم نقتنع به الى النهاية"، ولم يستوعبه لا التيار ولا غيره من القوى اللبنانية، خصوصاً عندما غضّ النظر على "تنويم" الموافقة بالأكثرية على القانون وجعلها ورقة بيده استثمرها حتى النهاية وسط "صمت مريب"، وزاد في الطين بلة ملف التمديد لمجلس النواب على وقع خروج الحزب من شرنقته اللبنانية الى رحاب الدور الإقليمي من "بوابة القصير"، وكانت النقطة التي طفح بها الكيل تأييد التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي بعد المضي بقانون التمديد لمجلس النواب الى نهاياته حتى في المجلس الدستوري.
وأكثر من ذلك، فقد ظهر جلياً في هذه المرحلة انّ توجهات حزب الله تعدت مصالح عون وقيادات أخرى، وفي رأي البعض انها تجاوزت لبنان بكامله، فهو يتطلع الى دور اقليمي يفتح له آفاقاً دولية تحقق أهدافه وباتت الملفات اللبنانية لديه شأناً ثانوياً، إذ إنّ "الإنتصارات الخارجية" جعلتها في أدنى سلّم الأولويات طالما انها لم تمس بعد الفتنة المذهبية التي يتجنبها الحزب، والمتبقي يمكن معالجته في أيّ وقت.
ولذلك قد يمضي لبنان صيفه كاملاً بلا حكومة، وفي حال مراوحة بين الهدنة والتفجير المحصور ببؤر توتر في مناطق حساسة باتت معروفة. ولكنّ السؤال الذي سيبقى مطروحاً هو: هل سيتخلّى عون في ظل هذه المعادلات الكبيرة عما كرّسه في ضيافة "شفيعه مار مخايل"؟
المؤكد انّ لا جواب على هذا السؤال بعد في انتظار مزيد من المراوحة، وما على الجميع سوى الإستعداد لعبور هذه المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك