«بلّ» البطريرك بشاره الراعي «ريق» فريق 14 آذار. متدرّجا، بعد اتهامات منظّمة له بغضّ النظر عن سلاح «حزب الله»، من اتهام فريق «8 آذار» بالمشاركة في «هدم الدولة»، الى معادلة «السلاح غير الشرعي يجرّ السلاح غير الشرعي». يرى الناقمون على مواقف الراعي بان الأخير بات، اخيرا، يتحدّث بلسانهم!
لكن لـ «حزب الله» رأيا آخر تماما. يقول مسؤول الملف المسيحي في الحزب الحاج غالب ابو زينب لـ «السفير»: «لم نر في بيان المطارنة الموارنة الأخير، او في مواقف البطريرك، ما يفسّر بأنه ضدنا». مؤكدا «بمجرد الحديث عن سلاح غير شرعي خرجنا تلقائيا من لائحة المقصودين بهذا الكلام، كون سلاحنا هو سلاح مقاوم للدفاع عن لبنان، ويكتسب شرعيته ايضا من البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة».
ووفق المعلومات، تعقد لجنة الحوار بين بكركي و«حزب الله»، المؤلفة من المطران سمير مظلوم وحارث شهاب والحاج غالب ابو زينب ومصطفى الحاج علي، اجتماعا قريبا، مع العلم ان لقاءات اللجنة كانت تتمّ بشكل دوري، وبعيدا عن الاعلام، منذ استئناف نشاطها بعيد انتخاب الراعي (شارك في اجتماعها الاول).
واذا كانت المواقف الاخيرة للراعي والمطارنة الموارنة، ستكون حاضرة على جدول اعمال البحث والنقاش، فان سلاح الحزب، ببعده المقاوم، لن يكون مادة للنقاش. ويشير المطران مظلوم إلى «ان قضية السلاح ليست من اولويات الحوار، الا اذا تطرقنا لها من باب الحديث عن سيادة الدولة».
لم يكن تفصيلا ولا مجرد «فشة خلق» عابرة، ان تعجز القيادة في معراب، لحظة تسلّم البطريرك بشاره الراعي شارات الكاردينالية في الفاتيكان، عن ضبط اعصاب «عشّاق الحكيم». آنذاك ترك لمواقع التواصل الاجتماعي ان تعكس النَفَس الحقيقي لثرثرات الغرف الضيقة.
هناك قيل ما يستحيل ان يُضبط بالجرم المشهود على ألسنة نواب ومسؤولي «القوات اللبنانية». صدرت دعوات صريحة لمقاطعة احتفالية الفاتيكان. وثمة من القواتيين «المتشدّدين» من استردّ منه لقب «مجد لبنان»، وسحب منه كرسيّ انطاكيا، وعاب عليه وضع الجبّة الحمراء وحمل عصا «يوحنا مارون»...
هي النقطة التي احالت كأس الاحتقان بين بكركي ومعراب الى بركان، حين تخطّى الراعي المسموح في سجل «اجتهاداته»، برفضه مطالبة البعض بتسليم المتهمين من «حزب الله» بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى القضاء «لان المتهم برئ حتى تثبت ادانته».
قبل ذلك، كان الراعي قد قام بالواجب بافهام من يعنيهم الامر بان ما بعد نصرالله صفير ليس كما قبله. ترجَم ذلك بأمانة في مواقفه الاستيعابية من سلاح «حزب الله»، رابطا اياه بتحرير باقي الاراضي اللبنانية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم (ايلول 2011)، والازمة في سوريا لناحية ابراز نظام الاسد كحام للاقليات.
لقيادات «حزب الله» رؤيتهم الاوسع للتصريحات التي تصدر عن بكركي، على اختلاف لهجتها. «هناك علاقة ايجابية كبيرة مع البطريرك الراعي. هذا لا يمنع ان يكون هناك بعض المواقف الصادرة عن الصرح التي تريحنا واخرى قد لا تعجبنا، كما ان بعض خطاباتنا قد لا يرضي الراعي. لكن العلاقة ليست أسيرة المواقف الظرفية، ايجابية كانت ام سلبية. القاعدة الذهبية السائدة هي النقاش على اساس التفاهم القائم بيننا، على ان يشكّل الاختلاف حافزا اكبر للتلاقي والحوار».
وفق تقديرات «حزب الله»، فان موقف الراعي تحديدا من مسألة المتهمين باغتيال الحريري «لم يأت جزافا، بل بعد معاينة مقرّبة للملف. كما انه لم يطلق موقفا سياسيا، بل نادى بالحق الانساني، ومن ضمنه توجيه نوع من الادانة لاسلوب التعاطي السياسي مع هذا الموضوع عبر اطلاق اتهامات ظالمة لا تتكئ على عدالة ووقائع صلبة».
يومها قوبل «التسونامي» الذي احدثه الراعي بشأن موقفه من متّهمي «حزب الله» بردّ فوري مضاد. سمير جعجع، الهادئ الذي يصعب استفزازه، لم يتردّد في فعل اللازم، وان شمت الشامتون.
اكتفى بارسال انطوان زهرا الى الفاتيكان لحضور احتفال تسليم شارات الكاردينالية والعودة فورا الى لبنان، في الوقت الذي كان فيه النائب علي فياض والحاج غالب ابو زينب يعبران اسوار الفاتيكان وساحته ليجلسا على مقاعد كاتدرائية القديس بطرس. كانت المرة الاولى التي يدخل فيها الحزب، وبهذا الثقل التمثيلي، الى عاصمة الكثلكة.
مشهد يستحيل تجاوز رمزيته. ليس فقط لان الراعي احتضن ذاك الانتقال «السلس» لـ «حزب الله» الى روما، بل لتوافر كل الاسباب التي جعلت من حقبة البطريرك نصرالله صفير النقيض الكنسي والسياسي لحقبة بشاره الراعي.
كان يمكن كشف سر الانقلاب الايجابي في علاقة بكركي مع المقاومة لحظة مغادرة البطريرك نصرالله صفير الكرسيّ البطريركي. وصلت ازمة الحوار المقطوع الى حد اعتراف الجانبين صراحة بخطوط التماس السياسية.
قال البطريرك صفير ما مفاده «لا امكانية للتعايش مع حزب يرفع السلاح بوجهنا». فيما اقرّت الضاحية بصعوبه ترميم الجسور مع بكركي «الا بعد انتخاب بطريرك جديد».
اما الواقع، يقول ابو زينب، فتحكمه معادلة واضحة «كانت العلاقة مع صفير صعبة جدا كونه كان طرفا. اما مع الراعي فقد وجدنا امامنا من يريد ان يعزّز الحسّ الوطني ويقيم علاقة متوازنة مع الجميع وفهم خصوصياتهم. وقد تطوّر هذا المنحى من التفاعل على قاعدة مرتكزات مشتركة وفهم متقارب للعديد من الامور، مما دفع العلاقة الى مستوى من الايجابية وامكانية التفاهم وحتى الاختلاف، لكن على قاعدة التلاقي وليس الصدام».
كادت معراب تعلن «الحداد» على منبر الكنيسة «السياسي». لكن الآن قد يعيد افرقاء «14 آذار» النظر باداء البطريرك المثير للجدل.
بكثير من التقدير، ينظر بعضهم، الى «صحوة الراعي». لكن هذا لا يعني ان الرضى ينسحب على ملفات اخرى، سوريا اولها.
في مقلب الراعي و«حزب الله» لا شيء يعكرّ صفو الحوار المستمر رغم كل زوبعات الداخل. مشاركة الحزب في القتال في سوريا ليست عنوانا تفصيليا. وعندما يشجب بيان المطارنة الموارنة اي تدخل لبناني في الازمة السورية «ان كان تحريضا او دعما او مشاركة ميدانية»، هو يدلّل بالاصبع الى الحزب، ويضعه في المصاف نفسه للجماعات الاصولية التي تسلّلت من الداخل اللبناني الى سوريا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك