سألت صحيفة "المستقبل": ما هي مدلولات الموقف الذي اتخذه لبنان في مجلس الأمن الدولي في موضوع البيان الرئاسي حول اعمال القمع في سوريا، والذي نأى بنفسه عنه، وهل يمكن أن يكون البيان مقدمة لمواقف اخرى أكثر تصعيداً في المجلس حيال اعمال القمع؟
الأوساط الديبلوماسية الواسعة الاطلاع، تؤكد ان لبنان تجنب أي إحراج في موقفه هذا إن بالنسبة إلى علاقاته الدولية، أو بالنسبة إلى سوريا التي تربطه بها علاقات أخوية ومميزة. ذلك أنه بهذه الطريقة التي حصدت إجماع 14 دولة في المجلس بدلاً من 15 من جراء هذا الموقف، لم يعرقل لبنان الإجماع الدولي حول ضرورة صدور البيان الرئاسي، بعدما أفشلت المفاوضات مع روسيا إمكان صدور قرار دولي، لأنّ روسيا أصرّت على البيان الرئاسي وليس على قرار. فمن الصعوبة بمكان أن يقف لبنان لوحده ضدّ البيان أو يسقطه، أمام الضغوطات الدولية عليه، وأمام عودة انضمام روسيا والصين إلى الإجماع الدولي مع الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين على ضرورة إصدار موقف عن مجلس الأمن يدين أعمال القمع والعنف. كذلك لا يفيد لبنان سوريا في شيء، إذا ما بقي وحده معارضاً المجتمع الدولي، وبالتالي لم يقل لبنان نعم للبيان الرئاسي، ولم يقل لا.
وتمكن لبنان في موقفه هذا من ان يُبقي على توافقه مع سوريا من جهة، ومع الموقف العربي الذي يلتزم الحياد ولم يدن اعمال العنف من جهة ثانية. أي انه لم يقف ضد سوريا.
هناك سابقات عديدة في مجلس الأمن، تم خلالها لجوء بعض الدول الاعضاء فيه، إلى النأي بنفسها عن صدور البيان الرئاسي وهي طريقة تتبع في المجلس من الدول لتجنب احراجات كبيرة تواجهها.
وتتوقع الأوساط، ان يكون الموقف اللبناني المتخذ، أحد محاور البحث خلال زيارة وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور الى دمشق خلال الايام المقبلة ولقائه نظيره السوري وليد المعلم. وتهدف الزيارة إلى التشاور بين البلدين في شتى المواضيع المطروحة، إن في شأن العلاقات الثنائية والوضع الاقليمي، أو الموقف الدولي.
وجرى تفهّم دولي لموقف لبنان من البيان الرئاسي، إذ ليس منتظراً دولياً من لبنان أن يقف ضد سوريا. لكن الدول ستعول اكثر على أداء لبنان حيال المحكمة الخاصة به من أجل الوفاء بمقتضياتها. وهذا التعويل يفوق أهمية بالنسبة إليها، موقفه من البيان الرئاسي حول سوريا، وهو الأمر الذي سيُحاسب عليه في مجلس الأمن، ولا يزال لبنان تحت المراقبة الدولية.
ومن غير الواضح بعد، ما إذا كان البيان الرئاسي حول سوريا، سيفتح الباب واسعاً أمام وضع الملف السوري فعلياً على طاولة مجلس الأمن منذ الآن وصاعداً. وتشير الأوساط إلى أن أي تطور في تعامل المجلس مع الموضوع السوري، سيكون مرتبطاً بالأوضاع السورية على الأرض وطريقة تطورها، وهي تحدد المسار في مجلس الأمن. ذلك أن ما حصل أخيراً في حماه، جعل روسيا الاتحادية تعدل موقفها ومعها الصين، الأمر الذي قرّب موقفهما من المواقف الدولية الاخرى. في حين ان استهداف الكتيبة الفرنسية في "اليونيفيل"، أدى إلى الضغط فرنسياً في اتجاه تسريع صدور موقف عن مجلس الأمن. وقدمت البرازيل أفكاراً جديدة لإعداد بيان رئاسي تضمن إدانة، ولم ينص على إجراءات أو عقوبات، إذ بات من الصعب السكوت دولياً عما يحصل. وفي الوقت نفسه، أرادت موسكو عدم السماح بتدخل عسكري. وكلما تطوّر الوضع على الأرض كلما تصاعدت ردّة فعل المجلس.
لكن هناك العقوبات الأميركية، وتلك الأوروبية. والعقوبات في المفهوم الديبلوماسي تعني العزلة. وتتوقع الأوساط في هذه المرحلة أن تعمل دمشق للتخفيف من عزلتها، والاقتراب أكثر وأكثر من الملف اللبناني هو أحد أبرز السبل الآيلة إلى ذلك.
والتأثير لأي وضع سوري على لبنان لايزال غير واضح. حتى الآن وفي ظل الوضع الراهن لن تحصل أكثر من أحداث متفرقة مثلما يحصل بين وقت وآخر. وكلما استمر النظام قوياً كلما كان تأثيره السياسي على لبنان قوياً. إلا أن عدم استمرار قوته، ستحدث تغييرات في الموازين في لبنان لكن على المدى الطويل، فالموضوع يحتاج إلى وقت، ولن ينهار أي حليف قوي لمجرد تغييرات خارجية، لأن سوريا قوية في لبنان بسبب حلفائها فيه. كما ان هناك العامل الايراني الذي يؤثر في الموازين الداخلية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك