كل من يتابع عن كثب سياسة النظام الأسديّ في سوريا وتفاعلها مع العلاقات الدوليّة يدرك أن "قائدة الممانعة" في الشرق الأوسط تمانع دون بلوغ حد التصادم مع المجتمع الدولي. فبدبلوماسيّته المعهودة، لم يعبر هذا النظام يوما هذا الخط الأحمر وأبقى على ممانعته ضمن هذا الأطار العريض "نمانع ولكننا لا نعاند". وهذا أحد أهم الفوارق الأساس بين النظام الأسدي في سوريا والنظام الخميني في إيران. فالثاني يعمل على محاربة الاستكبار العالمي والإمبرياليّة الأميركيّة، أما الأول فهذه المصطلحات بعيدة عن لغته السياسيّة ومستبدلة بأخرى أكثر انضباطا ورصانة بالنسبة للساحة الدوليّة وذات مدلول "عروبي" بحسب التعريف الأسدي للعروبة.
هذه السياسة الأسديّة لم تتغيّر حتى اليوم. فالنظام السوري يقوم بمواجهة الثورة عبر ممارسة الإعلام الإصلاحيّ من جهة، والحسم العسكري من جهة أخرى. فالرئيس السوري بشار الأسد يقوم بالإعلان والالتزام بـ"إصلاحات" ويصدر تشريعات جديدة وقوانين لمحاولة مهادنة المجتمع الدولي المتشدد ضد القمع، فيما شقيقه ماهر الأسد وصهر آصف شوكت "يواجهان الخارجين عن القانون" على الأرض، في ظل محاولة التعتيم الإعلامي "قدر المستطاع" عبر حظر دخول المراسلين إلى "مناطق الحسم" وشن الحملات الإعلاميّة المضادة (Contre Propagande) لمحاولة تشويه الصورة.
يمكن تلخيص هذه السياسية على هذا النحو: إنها "سياسة السحرة" حيث يقوم الساحر بتحريك اليد اليمنى للتضليل، فيما المهمة الجديّة يقوم بإنجازها بيده اليسرى. الأسد يضلل بإعلان الإصلاحات وماهر وآصف يحسمان.
أما بالنسبة لحكومة "حزب الله" في لبنان، فهذه الحكومة تقوم بتطبيق هذه المنهجيّة السياسيّة في ما يتعلق بالعلاقات الدوليّة. فمن جهة، "تحترم" الحكومة القرارات الدوليّة - وشتان ما بين الاحترام والتزام التنفيذ - وتلتزم "مبدئيا" بالمحكمة الخاصة بلبنان، التي أنشأت لإحقاق الحق. فيما يعقب أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله على جميع إطلالات القائم بأعماله في الحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أكّد فيها الإلتزام بالمحكمة، معلنا عدم التعاون معها ومتهما إيّها بالتعامل والتواطؤ مع "العدو الإسرائيلي" لضرب المقاومة. فميقاتي يلتزم بالمواقف فيما نصرالله يعمل على إسقاط مفاعيل المحكمة داخليا عبر سطوة السلاح وقضائيا عبر إخفاء المتهمين.
وللتوضيح بالأمثلة الحسيّة: فقد التزم الرئيس ميقاتي عبر شاشة الـ"CNN" بكافة واجبات لبنان الدوليّة، وأحد هذه الواجبات تنفيذ مضمون القرار الإتهامي. فيما أكّد نصرالله أن المتهمين لن يساقوا إلى العدالة لا في 30 ولا في 300 سنة. الأول أعلن موقفا مرحبا به من قبل المجتمع الدولي، فيما الثاني حسم الموضوع على الأرض. وبما أن المجتمع الدولي لا يأخذ بالإعتبار قانونا سوى ما تلتزم به الحكومة عبر رئيسها في هذا الإطار، فإن السياسة الخارجيّة اللبنانيّة تعتمد نفس السياسة السورية في موضوع الثورة عبر مهادنة المجتمع الدولي في ما يخص الموقف الرسمي فيما العمل الجدي يقوم به أشخاص آخرون.
فشل المنهجيّة الأسديّة في العلاقات الدوليّة بدأ يبرز يوما بعد يوم. فالمجتمع الدولي لم يكتف فقط بالإعلان عن الإصلاحات والإلتزام بها وإنما طالب بالتنفيذ على الأرض. فتصاعد الموقف الدولي من مرحب بإعلان الإصلاحات وداعم ضمنيا للنظام إلى مندد بالمجازر ومطالبا بإسقاط النظام ورحيل الأسد، وهذا ما يعتبر انقلابا جذريا في موقف المجموعة الدوليّة، والموقف الروسي أبرز مثال على ذلك.
وكذلك الأمر بالنسبة لـ"حكومة حزب الله"، فالمواقف الدوليّة المرحبة بالإلتزام بالمحكمة وتنفيذ جميع التزامات لبنان الدوليّة لن تقف عند هذا الحد، بل ستطالب بالوقائع على الأرض. الحكومة ستفشل في الإمتحان الأول المتمثل بسوق المتهمين إلى قوس العدالة، وسنشهد كما حصل في سوريا تطوّرا للموقف الدولي من مرحب إلى مطالب بالتنفيذ، وبعدها مشدد على التنفيذ حتى الوصول إلى موقف يعتبر لبنان خارج الشرعيّة الدوليّة.
نعم، هذه الحكومة تقوم بمعالجة موضوع المحكمة الدوليّة كما يعالج الأطباء مرضاً عضالاً عبر إعطاء المسكنات فيما المرض ينتشر والوضع يتفاقم سوءا. الحكومة تلتزم وتعلن فيما "حزب الله" ينتشر ويتقدم في مشروع ضرب المحكمة وطبعا الوضع يتفاقم سوءا. هذه الحكومة الميقاتيّة المظهر و"الحزب اللاويّة" الهويّة تقوم بتنفيذ المنهجيّة الأسديّة فيما يلعب الرئيس ميقاتي دور اليد اليسرى لـ"حزب الله"، تقوم وحدات الحزب بلعب دور اليد اليمنى عبر العمل الجدي على إسقاط المحكمة وإخفاء المتهمين. ولمن يسأل من هو الأرنب المستعمل في هذه العمليّة السحريّة؟ فالجواب للأسف هو نحن الشعب اللبناني الحر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك