يترقب حلفاء سورية في لبنان بكثير من الحذر الانعكاسات التي يمكن أن تنتج عن سلسلة المواقف العربية الأخيرة الصادرة بخصوص الوضع في سورية على موازين القوى التي تحكم الساحة اللبنانية منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بدعم من “حزب الله” وحلفائه.
ويقر هؤلاء بأن تلاحق قرارات استدعاء السفراء للتشاور الصادرة عن قادة المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، بالتزامن مع موقفي مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومصر وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومع الموقف التركي الحازم من تطورات الوضع في سورية، تشكل مجموعة مؤشرات على “معطيات جديدة” يفترض بالنظام السوري أن يأخذها في الاعتبار في تعاطيه مع أوضاعه الداخلية، كما يفترض بحلفائه اللبنانية أن يدخلوها في حساباتهم في تعاطيهم مع الملفات الحكومية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية وغيرها.
وتلفت مصادر قيادية لبنانية بارزة متحالفة مع سورية الى أن المواقف المشار اليها تعكس وجود “قرار” عربي واسع بالانتقال بالتعاطي مع الوضع السوري من موقع “المتفرج” أو “المراقب” الى موقع “المؤثر” و”الفاعل”. وهو قرار لا يمكن أن يصب في مصلحة التقاط النظام السوري أنفاسه الداخلية إلا في حال أقدم النظام على اتخاذ سلسلة من الخطوات العملية التي من شأنها أن تنعكس سلبا ليس فقط على طبيعة النظام في سورية، وإنما وفي الوقت ذاته على تركيبة الحكم التي انتجتها موازين القوى العسكرية والأمنية في لبنان.
وفي اعتقاد هؤلاء فإن رضوخ الرئيس السوري بشار الأسد للشروط العربية والدولية لإنقاذ “رأس نظامه”، لا يعني فقط إطلاق دينامية سياسية وإعلامية وقانونية في سورية تنتهي بتكريس آلية جديدة للحكم تخرج الأسد من السلطة، وإنما يعني عمليا “تحجيم” دور سورية الإقليمي خصوصا في لبنان والعراق وفلسطين، وفك التحالف السوري الإيراني بما يفقد حلفاء سورية وإيران في لبنان أبرز عوامل قوتهم، ويعطي قوى 14 آذار دفعا سياسيا ومعنويا يسمح لها ليس فقط باستعادة المواقع التي فقدتها في تركيبة السلطة خلال الأشهر القليلة الماضية، وإنما بالاستفادة من الظروف السياسية الإقليمية الجديدة لتكريس مشروعها وتدعيم أسسه واستكمال تنفيذه على أرض الواقع مؤسساتيا ودستوريا بما يسقط كل المحاولات التي شهدتها السنوات الست الماضية لإعادة ربط لبنان والحاقه بالمحور السوري الإيراني وسياساته.
وتبدي قيادات في قوى 8 آذار مخاوف جدية من التطور في المواقف العربية من سورية، لأن هذا التطور في رأيها يعكس انتقال المجتمعين العربي والدولي من مرحلة “الضغط والتهويل” الى مرحلة “التنفيذ” وهو ما يلغي كل الأسس التفاؤلية التي بنت عليها سورية وحلفاءها سياساتهم خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويصل بعض هذه القيادات الى حدود طرح علامات استفهام جدية حول “صحة” القراءات التي تم الإستناد عليها لبناء سياسة المواجهة التي اعتمدتها النظام السوري ضد معارضيه السوريين من جهة وضد قوى 14 آذار في لبنان من جهة مقابلة. ويلفتون على سبيل المثال لا الحصر الى أن هناك في دائرة القرار السوري من اعتبر تعيين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز نجله الأمير عبد العزيز نائبا لوزير الخارجية سعود الفيصل برتبة وزير، بمثابة رسالة إيجابية الى دمشق من جانب القيادة السعودية على قاعدة ان الامير عبدالعزيز سبق أن لعب دور مهندس التفاهم بين دمشق والرياض في شأن لبنان. لكن التطورات أظهرت أن هذه “الرسالة” فهمت خطأ لأنها لا تعني في أي حال من الأحوال ضوءا أخضر سعوديا للرئيس بشار الأسد بالمضي قدما في قمع المتظاهرين في سورية، وفي محاولة وضع اليد على لبنان من جديد.
وتخلص المعلومات التي يتم التداول بها في الأوساط القيادية الضيقة لـ”حزب الله” وحلفائه في لبنان الى التأكيد بأن حلفاء سورية في صدد إعادة قراءة سياسية شاملة للمعطيات تتعدد فيها المقاربات بين فريق يدعو الى التريث والمهادنة الداخلية للحد من الخسائر الناجمة عن تبدل المعطيات الإقليمية وآخر يدعو الى توسيع دائرة الأمر الواقع المفروض واستكمال الإمساك بمفاصل المؤسسات اللبنانية بحيث تأتي انعكاسات التغييرات الإقليمية محدودة على الساحة اللبنانية، فتحد قوى 8 آذار من خسائرها المتوقعة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك