لم يدركوا كما محرضيهم، أن تلك الجريمة في ذاك اليوم الشباطي لن تمر كما سابقاتها، وأن بصماتهم ستجد لها طريقا باتجاه الحق والحقيقة. فبعد شهر ونيف من صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قرر قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان رفع السرية عن أجزاء منه بعدما رأى ان المدعي العام قدم أدلة كافية بصورة أولية للانتقال إلى مرحلة المحاكمة، مع التأكيد "ان ذلك لا يعني أن المتهمين مسؤولون، بل يبين فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم".
وبذلك فتحت صفحات واسعة تروي تفاصيل تنفيذ عملية اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 والادوار التي لعبها المتهمون الاربعة، حيث تولى المتهم سليم جميل عياش تنسيق مجموعة الاغتيال، فيما قضت مهمة المتهم مصطفى بدر الدين بالإشراف على عملية الاغتيال. اما المتهمان حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا فعملا على إعداد إعلان المسؤولية زورا بهدف توجيه الاتهام لأطراف أخرى.
وفي الآتي، تفاصيل ما ورد في الجزء الذي أعلن من القرار الاتهامي:
"يرى قاضي الإجراءات التمهيدية أن قرار الاتهام يلبي شرطي التعليل والدقة اللذين يفرضهما الاجتهاد القضائي الدولي، والنظام، والقواعد (قواعد الإجراءات والإثبات)".
وفي قراره، أثبت قاضي الإجراءات التمهيدية أولا أن له الإختصاص للبت في قرار الإتهام. وبين أيضا القانون واجب التطبيق فيما يتعلق بالتهم المسندة إلى المتهمين ثم بت في مسألة ما إذا كان قرار الإتهام يلبي الشروط المطلوبة للمباشرة بالمحاكمات.
وفي قرار التصديق، شرح قاضي الإجراءات التمهيدية أيضا أسباب الإبقاء على سرية قرار الاتهام حتى الآن وهي "أن يحافظ [...] على سلامة الإجراءات القضائية، ولا سيما فعالية البحث عن المتهمين واستدعائهم إلى الاستجواب، عند الاقتضاء".
غير أن السرية أبقيت على أجزاء صغيرة من قرار التصديق ومن قرار الإتهام، وعلى أجزاء من مرفقيه، نظرا لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضررين والشهود.
الروابط:
قرار قاضي الإجراءات التمهيدية برفع السرية عن أجزاء من قرار الاتهام
قرار قاضي الإجراءات التمهيدية تصديق قرار الإتهام
قرار الإتهام
مذكرات التوقيف - سليم جميل عياش، مصطفى أمين بدر الدين، حسين حسن عنيسي، أسد حسن صبرا
التسلسل الزمني للأحداث
17 كانون الثاني/يناير: المدعي العام يقدم قرار اتهام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية للنظر فيه.
11 آذار/مارس: المدعي العام يوسع قرار الاتهام الذي أودع في 17 كانون الثاني/يناير.
6 أيار/مايو: المدعي العام يعدل قرار الاتهام، مضيفا إليه "عناصر أساسية جديدة".
10 حزيران/يونيو: قاضي الإجراءات التمهيدية يطلب إجراء تعديلات طفيفة على قرار الإتهام.
28 حزيران/يونيو: قاضي الإجراءات التمهيدية يصدق قرار الإتهام ويطلب إبقاءه سريا.
30 حزيران/يونيو: قرار الاتهام يبلغ إلى السلطات اللبنانية التي تمهل 30 يوما لتقديم تقرير عن الجهود التي بذلتها في البحث عن المتهمين، وتوقيفهم، ونقلهم إلى عهدة المحكمة.
29 تموز/يوليو: قاضي الإجراءات التمهيدية يطلب رفع السرية عن جزء من قرار الإتهام لا يورد إلا معلومات عن هوية المتهمين والتهم المسندة إليهم.
9 آب/أغسطس: السلطات اللبنانية تقدم تقريرا إلى المحكمة عن الجهود التي بذلتها. لم يعتقل أي متهم.
17 آب/أغسطس: السرية ترفع عن قرار الاتهام وقرار تصديقه.
وتيسيرًا لإطلاع الرأي العام، أعد مكتب المدعي العام لمحة موجزة عن قرار الاتهام فيما يأتي نصه، مؤكدا ان قرار الاتهام وحده هو الصك الرسمي للاتهام.
لمحة موجزة عن قرار الإتهام:
يوجه قرار الاتهام إلى الأشخاص الأربعة الآتية أسماؤهم التهم لمسؤوليتهم الجنائية الفردية في الاعتداء على رفيق الحريري:
سليم جميل عيّاش،
ومصطفى أمين بدر الدين (المعروف أيضًا بالأسماء "سامي عيسى" و"مصطفى يوسف بدر الدين"، و"إلياس فؤاد صعب"،
وحسين حسن عنيسي (المعروف أيضًا باسم "حسين حسن عيسى")،
وأسد حسن صبرا.
وتؤيد الأدلّة المرفقة بقرار الاتهام (التي تُعرف بالمواد المؤيدة والتي تقع في ما يزيد عن 20000 صفحة) الادعاءات المرتبطة بالوقائع والتهم التالية الواردة فيه.
ففي صباح 14 شباط 2005، غادر رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، منزله في قصر قريطم، ببيروت، لحضور جلسة لمجلس النواب. وكعادته، تنقّل في موكب له. واتخذ أعضاء مجموعة اغتيال مؤلفة من عيّاش وأشخاص آخرين مواقعهم في أماكن عدة يستطيعون منها تعقّب ومراقبة موكب الحريري. وكانوا قد راقبوا الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء تحضيرًا له.
وقبل الساعة 11:00 من ذلك اليوم، وصل الحريري إلى مجلس النوّاب. وقبيل الساعة 12:00، غادر الحريري مجلس النوّاب
وذهب إلى مقهى "بلاس دو ليتوال" (Café Place de l'etoile) القريب وبقي فيه 45 دقيقة تقريبًا، قبل مغادرته عائدًا إلى منزله. وحوالى الساعة 12:49، صعد الحريري إلى سيارته يرافقه النائب باسل فليحان، وانطلق الموكب من ساحة النجمة. وبدأ الحريري وجهازه الأمني رحلة العودة إلى قصر قريطم في موكب مؤلف من ست سيارات، سالكين طريقًا بحرية مرورًا بشارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:52، اتجه فان ميتسوبيشي كانتر ببطءٍ نحو فندق السان جورج الكائن في شارع ميناء الحصن. وقبل مرور الموكب بدقيقتين تقريبًا، تحرّك فان الميتسوبيشي كانتر إلى موضعه النهائي في شارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:55، عند مرور موكب الحريري مقابل فندق السان جورج، فجّر انتحاري ذكر كمية هائلة من المتفجرات المخبأة في الجزء المخصص للحمولة في فان الميتسوبيشي كانتر، فقُتل الحريري و21 شخصًا آخر وأُصيب 231 شخصًا آخر.
وبُعيد الانفجار، أجرى عنيسي وصبرا، وهما يعملان معًا، اتّصالات هاتفية بمكتبي وكالة رويترز للأنباء وقناة الجزيرة في بيروت. ثم اتّصل صبرا بقناة الجزيرة مرة أخرى ليعلمها بمكان شريط الفيديو الذي وُضع على شجرة في ساحة الإسكوا في بيروت. وعُثر على الشريط والرسالة المرفقة به. وفي شريط الفيديو الذي بُث فيما بعد على شاشة التلفزيون، أعلن رجل، يدعى أحمد أبو عدس، زورًا أنه الانتحاري الذي نفذ العملية باسم جماعة أصولية وهمية مشيرًا إليها باسم "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام".
ونتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء، جُمعت كمية كبيرة من الأدلة، بما فيها إفادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية). وأدّت هذه الأدلة إلى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري. وعلى سبيل المثال، أظهر تحليل سجلات بيانات الاتصالات وجود عددٍ من شبكات الهواتف الخلوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكوّن كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سُجّلت عادةً بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة.
وفي قرار الاتهام، وُجهت إلى المتهمين الأربعة كافة تهمة الاشتراك في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي (التهمة 1). أما عياش وبدر الدين، فقد اتُهما (التهم من 2 إلى 5) بارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة، وبقتل (الحريري و21 شخصًا آخر) عمدًا باستعمال مواد متفجّرة، وبمحاولة قتل (الأشخاص الذين أصيبوا ونجوا) عمدًا باستعمال مواد متفجّرة. واتُهم عنيسي وصبرا بالتدخل في جرائم أخرى (التهم من 6 إلى 9). وتُعتبر جميع التهم الواردة في قرار الاتهام جرائم في القانون الجزائي اللبناني.
ويمكن إيجاز دور كلّ واحد من المتهمين في أثناء الاعتداء على النحو التالي: اضطلع بدر الدين بدور المشرف العام على الاعتداء. وتولّى عيّاش تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي للاعتداء. وإضافة إلى كون عنيسي وصبرا متآمرين، فقد أعدّا وسلّما شريط الفيديو الذي أُعلنت فيه المسؤولية زورًا، بهدف توجيه التحقيق إلى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء، وذلك حمايةً للمتآمرين من الملاحقة القضائية.
وتتوصّل غرفة الدرجة الأولى إلى حكمها بعد النظر في جميع الأدلة في أثناء المحاكمة".
إلى ذلك، رحب المدعي العام دانيال بلمار بقرار فرانسين رفع السرية عن القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مشيرا الى ان "هذا القرار سيطلع أخيرا الرأي العام والمتضررين على الوقائع المزعومة في قرار الاتهام بشأن ارتكاب الجريمة التي أدت إلى توجيه الاتهام إلى المتهمين الأربعة". وأوضح بلمار أن رفع السرية عن قرار الاتهام يجيب عن أسئلة عديدة بشأن الاعتداء غير أن "الستار لن يرفع عن القصة الكاملة إلا في قاعة المحكمة حيث تعقد محاكمة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة تصدر حكما نهائيا"، على حد تعبيره، مؤكدا ان تحقيقات مكتب المدعي العام جارية وأعمال التحضير للمحاكمة مستمرة.
وفي ردود الفعل الاولية، رأى القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش في حديث للـ"mtv" أن المحكمة الدولية تسير قدما وأن كل التهديدات لن تؤثر على قرارها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك