تنامت الضغوط الدولية بشكل متزايد على نظام بشار الأسد. فبالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، قامت دول عدة، من ضمنها الأردن والسعودية وتركيا، باتخاذ خطوات تصعيدية من أجل إبعاد نفسها عن النظام السوري المتعثّر. وحسب رأي الكاتب الإيراني مير جافندافار، فإنّ القيادة الروحية الإيرانية ستدعم الأسد فقط إلى درجة ما يخدم الثورة الإسلامية الإيرانية القائمة.
تقوّم هذه الدول سياساتها تجاه سوريا مع التركيز على إمكان سقوط الأسد من السلطة والنتائج المترتبة عن ذلك. ولا تختلف مقاربة "حزب الله" تحت قيادة حسن نصرالله لهذه القضية عن هذه الدول، وكما أشار دايفد هيرست فإن نصرالله قد جعل "حزب الله" "اللاعب السياسي الأكثر نفوذا في لبنان، وربما أبرع منظمة مسلّحة في العالم". ونصر الله لن يتساهل في تعريض هذه الإنجازات للخطر.
ومن الواضح أنّ الحزب قد عزّز دوره السياسي بفضل مختلف أنواع الدعم التي يقدّمها الأسد. وهذا الدعم يتضمن المستلزمات المادية وتوفير ملجأ آمن لقيادات "حزب الله". كما أن سوريا تؤدي دور الحليف الموثوق والتي تمر عبره شحنات الأسلحة والمال من إيران إلى لبنان. ومع ذلك، وبقدر ما دعم الأسد مهم بالنسبة الى الحزب، إلّا أنّ بقاء نظامه لا يحتلّ الأسبقية على أهداف "حزب الله" المتمثلة بـ: "هزيمة اسرائيل، تهميش النفوذ الأميركي وإنشاء قوة شيعية إقليمية".
إن "حزب الله" يعرف أنّ في حال سقوط نظام الأسد، فإنّ سوريا ستشهد صراعا على السلطة غير واضح النتائج بين الطائفتين العلوية والسنّية. ومن السيناريوهات المحتملة التي يخشاها الحزب، بروز جماعة "الإخوان المسلمين"، التي لطالما تعرضت للتنكيل (...) وتكبدت مجزرة كبيرة (...) في حماه في العام 1982، والتي ستكون متردّدة جدا في قبول استمرار الرعاية الإيرانية التي تميز طبيعة العلاقة بين الأسد وإيران.
إن نصرالله مستعد، إذا ما وجد أهمية في ذلك، لنقل دعم "حزب الله" الى خلف الأسد. وهذا الخلف سيكون الشخص الذي يعتقد الحزب أنه قادر على توفير استمرارية نسبية للعلاقة التي كانت بين الحزب والأسد، والقادر على كبح أي حرب أهلية داخل سوريا. كما أن على "حزب الله" الأخذ في عين الاعتبار الوقائع السياسية اللبنانية. ففي لبنان، تمكّن الحزب من بناء نفوذه السياسي الحالي من خلال مزج أنواع مختلفة من القوى السياسية، ما بين تيار (النائب) ميشال عون والخصم الشيعي السابق "حركة أمل". ومن خلال هذه الاستراتيجية، تمكّن نصر الله من جعل "حزب الله" قوة سياسية مرنة وعنيدة في الوقت نفسه.
إن "حزب الله" يدرك تماما أنه يجب تعزيز قاعدة الدعم الشعبية. فالبوارج الحربية السورية التي تقوم بقصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وصور قوات الأمن السورية التي تطلق النار وتقتل المتظاهرين العزّل لا تتناغم مع صورة الحزب التي لطالما عمل على تنقيتها وصوغها بطرق أفضل، صورة "حزب الله" التي تتركز على أنّ أعضاء الحزب هم ورثة معركة كربلاء المجاهدين في سبيل التحرر والتمكّن والعدالة الإسلامية.
وتعني كل هذه الوقائع أنّ "حزب الله" في الصميم لن يقدم على المجازفة في تقديم الدعم المتواصل الى بشار الأسد إذا ما كان ثمن هذا الدعم التقليل من مصداقية صورة الحزب التي تترتكز عليها قوته ونفوذه.
وبينما يدعم "حزب الله" عمليات القمع والعنف الإيرانية ضد المنشقين في داخل الجمهورية الإسلامية، تحت ذريعة ضروريات الثورة لكبح "التسلل العلماني"، فإن حال الأسد مختلفة، فبينما يقدم الأسد الدعم اللازم إلى الحزب في أهدافه، إلا أن بقاء النظام السوري ليس في حد ذاته أحد أهداف "حزب الله" الحتمية.
صحيفة "الغارديان" - البريطانية
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك