انضم عضو كتلة الكتائب النائب سامي الجميل الى جوقة المتهجمين على الجيش اللبناني، فشكك في حياديته ودعاه إلى "أن يبرهن أنه حامي الكل ويتعاطى مع الجميع على قدم المساواة".
وطالب الجميّل الجيش بـ"قمع المخالفات والإمساك بالوضع في لاسا"، لكنه اعتبر أن الجيش لا يملك القرار السياسي بيده"، مشيراً إلى "أن المشكلة ليست في الجيش ولا بضباطه أو أفراده، بل في الارادة السياسيّة المفقودة"، وأضاف: "اللوم ليس على الجيش بل على السلطة السياسيّة".
ويأتي تصويب النائب الجميل على الجيش في إطار سياسة استهداف مؤسسات الدولة التي ينخرط فيها فريق "14 آذار"، وتحديداً تيار المستقبل، على أن انخراط الجميل في هذه السياسة ليس غريباً على حزب الكتائب الذي خرب لبنان بشعار "قوة لبنان في ضعفه"، لأن لبنان القوي، بالمعادلة الثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، يحرر الأرض ويحميها في مواجهة أي اعتداء، وبالتالي يقطع الطريق على أي إمكانية لتنصيب رئيس للجمهورية كما نصبت إسرائيل بشير الجميل بعد اجتياحها لبنان وعاصمته في العام 1982.
وترى أوساط سياسية متابعة أن الحملة التي تشن من نواب فريق "14 آذار" على الجيش، تأتي نتيجة السكوت المفرط للقضاء وللسياسيين في لبنان على حد سواء، مع إشارتها الى أن عدم محاسبة النائب خالد ضاهر دفعت بالكثيرين الى التمادي والتطاول على الجيش والمقاومة.
كما أن الصراع الداخلي في حزب الكتائب، الذي ظهر إلى العلن بعد الانتخابات الحزبية الأخيرة، أدى الى حالة من الجفاء وصلت الى شبه قطيعة بين سامي ونديم الجميل، خصوصاً أن الأول استطاع أن يقصي إلى درجة كبيرة معطم مؤيدي الثاني، ما جعل بعض المراقبين يشبّهون هذه المرحلة بمرحلة الصراع بين أمين وبشير بين العامين 1975 و 1982.
هذا الصراع يدفع بطرفيه إلى استسهال التصعيد، ولكن ضد الجيش والمقاومة وحزب الله، في محاولة لشد العصب واستقطاب أكبر عدد من المحازبين باتجاه هذا الطرف أو ذاك. ويبقى القرار الكتائبي الحاسم، حتى إشعار آخر، بيد الرئيس أمين الجميل الذي يدعم نجله سامي بلا شك، ولكن من دون أن يقطع مع نديم حتى لا يسلم الأخير كل أوراقه إلى رئيس حزب "القوات" سمير جعجع.
وفي مؤتمر صحافي عقده أمس تجاوز النائب سامي الجميل كل السقوف حين رأى "أنّ الأخطر في حزب الله هو العمل الايديولوجي والعقائدي الذي لا يمكننا الا ان نعتبر أنه مقتبس عن عدو لبنان وهو الصهاينة، كون حزب الله يتصرّف في لبنان كما يتصرّف الصهاينة في اسرائيل".
وأضاف: "الصهاينة لا يطبقون القرارات الدولية وكذلك يرفض حزب الله قرارات المحكمة الدوليّة".
وأردف: "الصهاينة يعتبرون أنّهم "شعب الله المختار" وكذلك حزب الله الذي بكلامه عن أشرف الناس يُخوّن بقيّة الناس".
وتابع: "الصهاينة يعتبرون أنّ الارض هي ملك اليهود من 2000 سنة وبالتالي لديهم الحق بامتلاك هذه الاراضي، ونسمع من جهة أخرى كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله عن بلاد جبيل واعتبارها أراض إسلامية فيما المسيحيون أتوا إليها كغزاة".
وأضاف: "الصهاينة عملوا على إنشاء دولة دينيّة على الاراضي الفلسطينية، وحزب الله يعمل على انشاء دولة دينيّة على الاراضي اللبنانيّة".
وأشار الجميّل إلى أنّ "منطق شراء الاراضي للتوسّع، هو ما فعله الصهاينة، وهو ما يفعله الآن حزب الله، كما أنّ اعتماد سياسة استيطان الاراضي التي لم يتمكّن الصهاينة من شرائها فأخذوها بالقوة، كذلك فإنّ حزب الله بعمليّة التعدي على الاملاك العامة والخاصة يفعل الامر نفسه".
بحسب المراقبين فإن اجراء المقارنه بين حزب الله من جهة و"اسرائيل" يشير الى أن "الجميل جونيور" على قدر كبير من السطحية، فالتنطح إلى مسائل استراتيجية على هذا المستوى يتطلب فهماً استراتيجياً لم يبلغه بعد الجميل الإبن، وهو لن يبلغه طالما استمر حزب الكتائب متقوقعاً ضمن هذا المنطق الطائفي الضيق النظرة والأفق.
ولكن يبدو أن ما يريده سامي هو فقط تقديم أوراق اعتماد الى الخارج الذي يستهدف لبنان وجيشه ومقاومته، أي مكامن القوة اللبنانية، سواء بالسياسة أو بالحرب أو بالمحكمة الدولية، التي كما بات معلوماً ليست سوى كتيبة قضائية إسرائيلية".
هذه المواقف كما يقرأها المراقبون ليس من شأنها أن تمسّ بالمقاومة، إنما لها وظيفة أساسية تتمثل في توتير الأجواء وفتح الأبواب من أوسعها على الفتنة وعلى الشر المستطير.
ويلفت المراقبون إلى أن هذا الدور سبق أن لعبه حزب الكتائب حين أضرم نار الفتنة في نيسان 1975، وساهمم في انهيار الدولة اللبنانية، فهل يريد سامي الجميل ومَن معه في "14 آذار" إشعال فتنة تتقاطع مع الفتنة التي تسعى لضرب سورية، ما يعيد إلى الأذهان مشروع السفير الاميركي الأسبق في لبنان دين براون الذي طرده الرئيس سليمان فرنجية من قصر بعبدا حين طرح عليه مشروع هجرة المسيحيين إلى كندا وأميركا وأوروبا.
أن ما صرح به سامي الجميل يدخل في باب العقم السياسي الذي يعود دائماً الى تبسيط القضية المركزية وعدم الاكتراث بالخطر الجدي المتأتي من قيام ما يسمى دولة "اسرائيل" التي تشكل كل الخطر على المنطقة، وبصورة خاصة على المسيحيين في هذا المشرق.
من المؤسف أن تكون المقارنة بين الشريك في المواطنية وفي التاريخ والجغرافيا، والتطلعات الوطنية وبين الجماعة الدينية المغتصبة من دون أي مبرر أخلاقي أو تاريخي أو سياسي. لا سيما أنه يوماً بعد يوم تتأكد الحاجة الى سلاح المقاومة الذي يشكل الضمانة مع الجيش الوطني لردع أي اعتداء على لبنان.
لم يتعلم النائب سامي الجميل من الأخطاء الاستراتيجية التاريخية التي ارتكبها حزبه، ولم يأخد العبرة من تجربة الماضي، ولا يزال مصراَ على تكرار الأخطاء نفسها.
وإذا كان الجميل الإبن لا يريد التعلم فهذا شأنه، ولكن لدى اللبنانيين اليوم معادلة قوة متمثلة بالجيش والشعب والمقاومة، وهي معادلة قادرة على تجنيب لبنان مخاطر أي مغامرات جديدة، وما دامت الأمور كذلك فلا ضير إذا كرر الخائبون أخطاءهم، طالما أنهم وحدهم سيدفعون ثمن مغامراتهم وخيباتهم الجديدة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك