الحديث عن تأليف حكومة تجمع كل الاطراف اللبنانية كان طغى في الاعلام اللبناني على كل ما عداه من مواضيع حفلت بها بداية العام، خاصة بعد استعداد الرئيس سعد الحريري الجلوس الى طاولة الحكومة مع "الجناح السياسي لحزب الله"، كما صرّح من لاهاي مقر المحكمة الخاصة بلبنان.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يعارض تلك الفكرة. فهو يبدو مقتنعاً من خلال مواقفه المعلنة، بمبدأ بسيط يقول إن حكومة تجمع على طاولتها تناقضات بالرؤية والاستراتيجية هي حكومة عاجزة، خاصة مع تداخل الازمة السورية بالواقع اللبناني السياسي والاقتصادي وتأثيرها على المجريات فيه بشكل كبير، وفي ظل انقسام القيادات اللبنانية بشأن التعاطي معها.
فدعوة السيد حسن نصرالله الفصلَ بين الازمة السياسية في لبنان والحرب القائمة في سوريا من خلال دعوته اللبنانيين التقاتلَ على أرض الشقيقة، لم تعد قائمة على ضوء نقل السوريين المعركة الى لبنان.
من هنا، فإن الحكومة الجامعة لن تستطيع التوفيق بين نقيضين، واحدهم يعتبر ان القتال في سوريا خطأ مميت وجلاّب ويلات، والآخر يعتبره واجباً جهادياً ودفاعاً عن لبنان، وبالتالي ستبقى أية حكومة عاجزة عن تقديم حلول للأزمة اللبنانية، الأمنية منها والاقتصادية، نظراً لارتباطهما بشكل وثيق.
فإذا اعتبرنا أنّ خلوّ شوارع الضاحية من الازدحام والحركة الاقتصادية، واستهدافها بالتفجيرات مردّه الى قتال الحزب في سوريا، فكيف لحكومة غير متجانسة أن تواجه هذا الامر أو تعالجه؟
وإذا اعتبرنا أن مقاطعة السيّاح الخليجيين لبنان مردّه الى تصاريح السيد حسن الناريّة الموجّهة ضد المملكة العربية السعودية على خلفية الأزمة السورية، فكيف لحكومة جامعة للاختلافات أن تواجه تلك المعضلة، علماً أن جزءاً كبيراً من اقتصاد لبنان يقوم على السياحة؟
مقتنع سمير جعجع أن الجلوس الى طاولة حكومية واحدة مع حزب الله يعني إضفاء شرعية على ارتكابات وخطايا حزب بات مكشوفاً أمنياً وسياسياً وشعبياً في الداخل كما في الخارج.
وهو مقتنع أن حزب الله اليوم هو بأمسّ الحاجة الى شرعية متمثلة بحكومة تجمعه وتيار المستقبل للإطباق من خلالها على مناطق سنيّة متاخمة لمناطق نفوذه، تحت شعار محاربة الارهاب، خصوصاً مع تقدم قوى المعارضة باتجاه القصير مجدداً.
أما حزب الله، فيعرف تماماً أن الشرعية ولو كانت هشّة، فهي تعني الكثير. فقرار إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان مثلاً، هو قرار نابع من شرعية لبنانية، يلزم لبنان تجاه المجتمع الدولي.
والبرهان أن كل الصراخ والاعتراض والتشويش الآتي من الضاحية الجنوبية لبيروت، وكل حملات التهويل على المحكمة، لم تمنع يوماً حكومة حزب الله نفسها، برئاسة الرئيس ميقاتي، من إيجاد سبل لدفع مستحقات الدولة اللبنانية تجاهها.
حرب نهر البارد على الارهاب المصدَّر من سجن صيدنايا، هي الأخرى لها طابع شرعي إذ أتت جراء قرار حكومي، خوّل الجيش اللبناني حسم تلك المعركة، بالرغم من الخطوط الحمر التي وضعها حسن نصرالله على هذا القرار يومذاك.
بعكس كل أفعال حزب الله، من 7 أيار، وصولا الى مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا، مروراً بحمايته المتهمين الخمسة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كل تلك الاعمال ستظل فاقدة للشرعية.
لذا أية شرعية حتى لو كانت هشّة تعني لحزب الله اليوم الكثير.
سمير جعجع يعي أن الخلافات مع حزب الله كبيرة، ولن تؤدي مساكنته في حكومة جامعة الى حلّها. طبعاً هذا لا يلغي الضرورة الدائمة الى الحوار، من دون عقد آمال كبيرة عليها، إذ إن الحل اللبناني بات يرتبط بالحل السوري البعيد، أو حتى بتقارب سعودي إيراني غير متاح في المدى المنظور.
ولكن الحوار شيء والشرعية شيء آخر.
وهذه المرة سمير جعجع على صواب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك