ماذا يجري داخل بلديّة طرابلس؟

مرلين وهبة

الجمهورية

وصلت الأمور إلى حافّة الانفجار في بلديّة طرابلس جرّاء حدّة التصعيد والتشنّج في المواقف، وهذا ما عكسته الأحداث المتسارعة والميدانيّة التي حصلت في عطلة عيد الفطر وما بعدها، وتُوِّجت بتقديم رئيس البلدية الدكتور نادر الغزال شكوى لدى النيابة العامّة في الشمال في حقّ أحد الموظفين خضر صبح الذي تهجّم عليه في مكتبه صباح الأحد الماضي، محتجّا على قرار نقله.

وقد استدعت هذه الحادثة من الأجهزة الأمنية تحرّكا صباح أمس الى البلدية سبقته محاولة لرأب الصدع قام بها النائب محمد كبارة يرافقه عميد آل صبح احمد صبح، حيث سارعا الى زيارة الغزال مستنكرين تصرّف الموظف ومتمنّين عليه الهدوء.

ومجمل هذه الحوادث المتلاحقة وأجواء المناكفات الحاصلة بين بعض أعضاء المجلس ورئيسهم أوحت أنّ الوضع داخل البلدية ليس على ما يرام في الحدّ الأدنى، ويستدعي تحرّكا سياسيّا لتداركه، خصوصا في ظلّ "الحرب الباردة" الدائرة الآن بين تيّار"المستقبل" ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وإلى جانبه الوزيران محمد الصفدي وفيصل عمر كرامي. ذلك أنّ المجلس البلدي الحاليّ تكوّن من تحالف عريض توافقت عليه مجمل الأطراف السياسيّة التي تقاسمت الأعضاء في ما بينها بصيغة "الكوتا"، واتفقت على الغزال رئيسا توافقيّا للبلدية، لأنّه كان من المستحيل تسمية رئيس محسوب على تيار سياسيّ واحد حينها. لكن الأمور الآن تبدّلت، وسرعان ما غلب طابع النكد على العمل البلدي، لأسباب مختلفة، بين الغزال وعدد من أعضاء المجلس البلدي، وبلغ هذا النكد حدّ التجريح الشخصيّ، حيث لا يتردّد عضوا المجلس خالد صبح وفضيلة فتال في المطالبة باستقالة الغزال لأنّه "متفرّد ومغرور وفاشل" في نظرهما، و"لم يحقق أيّ إنجاز لطرابلس منذ انتخابه".

وتعكس عمليّات الكرّ والفرّ في المجلس البلدي وجود أزمة في داخله، حيث تشير المعطيات إلى سعي الأعضاء لمصادرة صلاحيّات الرئيس بتحويل كلّ المعاملات الإدارية عكس ما كان يحصل في المجالس البلدية السابقة، بحجّة أنّهم باتوا غالبية، أي في قدرتهم حلّ المجلس مثلا وفرض معادلة جديدة بعد انضمام ثلاثة أعضاء من تيّار "المستقبل" إليهم ليصبح عددهم 14 عضوا.

بيدَ أنّ تيار "المستقبل" ينفي هذا الامر بشدّة، وقال مصدر فيه إنه ليس في وارد خلق أزمة جديدة الآن، وإنّه يعتبر المجلس "وحدة متكاملة"، وأن لا خلفيّات سياسيّة أبدا لتصرّف أعضائه.

في حين أشار قريبون من ميقاتي إلى أنّ استقالة الغزال غير مطروحة أبدا، معتبرين أنّ خلافات المجلس البلدي وانقساماته عاديّة وشأن يخصّ البلديّة التي تحظى برعاية خاصة لدى رئيس الحكومة كونها بلديّة مدينته.

ويشير عضو قريب من الغزال إلى أنّ موضوع الأكثرية المعارضة في المجلس البلديّ ليس مؤكّدا أبدا طالما إنّه لم يظهر شيء مشترك يجمعهم سوى تطيير نصاب جلسة واحدة منذ فترة، حتى أنّ عددا من الأعضاء يهمسون سرّا أنّهم يقفون في المنطقة الرمادية تارة مع الرئيس وطورا مع المعارضة وفق الظروف.

وفي ظلّ هذا الوضع فإنّ رئيس البلدية الغزال معزول سياسيّا ويواجه المشاكل داخل البلدية بمفرده نتيجة انشغال الجهات السياسيّة بهمومها الخاصة، حيث إنّ الظروف المصيريّة التي يمرّ فيها لبنان تفرض على تلك الجهات ترك أوضاع بلديّة طرابلس جانبا.

وإذا كان الغزال لا يحظى حاليّا بمظلة سياسيّة واسعة كالتي حصل عليها عند انتخابه تقيه الشغب البلديّ، فإنّ الأعضاء المعارضين يتحرّكون أيضا من منطلق فرديّ نتيجة افتقارهم لدعم مرجعياتهم السياسية، الأمر الذي يعني أنّهم قادرون على الشغب فقط، طالما إنّ صلاحيات الرئيس التقريرية والاستشارية تفوق صلاحيات المجلس، فيما صلاحيات الاعضاء لا تتعدّى حدود قاعة المجلس، وفيما يرى أكثر من طرف سياسيّ طرابلسيّ أنّ المرحلة السياسيّة لا تتحمّل استقالة رئيس البلدية الآن، فإنّ الأزمة السياسيّة قد تنتقل الى الشارع، وهذا ما لا يريده ميقاتي ولا تيّار"المستقبل"في ظل إصرار بعض أعضاء المجلس البلدي على التأكيد أنّ "الحلّ الوحيد" هو استقالة الغزال، من دون توافر من يملأ الفراغ.