الجمهورية
على رغم الموقف المبدئي من الحكومة لجهة رفض المشاركة مع «حزب الله» في حكومة واحدة بعد النجاح في تعويد الناس على الفكرة، وتفويت فرصة مواصلة المواجهة إلى حين انتزاع تنازلات جدية من الحزب، لا بدّ من الإضاءة على الأسلوب الذي اعتمده وزير العدل أشرف ريفي منذ لحظة استلامه الوزارة.
الكلام عن ريفي لا يعني إطلاقاً عدم التعويل على أداء كل وزراء «14 آذار» وتحديداً وزير الداخلية نهاد المشنوق، إنما المقصود تعميم النهج والنمط والأسلوب الذي يعتمده ريفي، هذا النهج الذي لو تمّ اعتماده منذ العام 2005 لما كانت الأمور وصلت إلى ما نحن عليه اليوم بالتأكيد، الأمر الذي يجب أن يفتح باب المراجعة السياسية أمام كل مكوّنات «14 آذار» لجهة نوعية الوزراء التي اعتُمِدت لاختيارهم...
وهذا الكلام لا يعني إطلاقاً التعميم، لأنّ بعض وزراء «14 آذار» لعبوا دور رأس الحربة داخل وزاراتهم وحول طاولة مجلس الوزراء، ولكن، المقصود به هو انه لو اتفقت قيادة الحركة الاستقلالية على معنى مشاركتها في السلطة التنفيذية والدور المطلوب منها، ووضعت الخطط والآليات والتوجهات اللازمة، والفريق القادر على ترجمة سياساتها العليا، لكانت وفرت على نفسها والبلاد الانهيار الذي وصلت إليه الأمور وتمدّد «حزب الله» داخل جسم الدولة.
فمُخطئ هو مَن يعتبر أنّ الوزارة في هذا الوقت بالذات بحاجة إلى شخصيات مترفّعة، سلوكهم فوق الانقسامات، وأصحاب اختصاص، و»بروفيسوريه»، وكأنّ البلاد بألف خير، في حين تفرض طبيعة المواجهة مع «حزب الله» اختيار الصقور من أصحاب الكفاءات، كون المساكنة مع الحزب ليست نزهة، لا وبل هي عملياً البديل عن المواجهة في الشارع، وهدفها الإمساك بكل مفاصل السلطة لمنع إخضاع المؤسسات الشرعية وترهيبها، كما مدّ سلطة الدولة على أوسع بقعة ممكنة داخل المؤسسات وخارجها.
وقد شكل التراجع عن القرارين السياديين اللذين اتخذهما مجلس الوزراء في أيار 2008 بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لـ»حزب الله» وإقالة قائد جهاز أمن المطار نتيجة استخدام الحزب للقوة المسلحة ضربةً كبرى لهيبة الدولة ونكسةً لمشروع العبور إلى الدولة، وشجع الحزب على التمادي في سلوكه وممارساته، فيما كان على وزراء «14 آذار» تحويل كلّ قرار إلى مواجهة شبيهة بأحداث 7 أيار وكشف الحزب على حقيقته.
فالمساكنة السابقة مع «حزب الله» صبّت في مصلحته وكان التوجه الغالب تجنّب الاصطدام معه، فيما المسؤولية التي تقع على وزراء «14 آذار» في الوزارة إثبات أنه على رغم عدم صوابية المساكنة لا بدّ من تحويل الأخيرة إلى ميدانٍ فعليّ للمواجهة، وذلك ليس عبر استفزاز الحزب، إنما من خلال تطبيق القوانين المرعية والإلتزام بالدستور وعدم المساومة على حقوق الناس.
ففي أقل من عشرة أيام حرّك وزير العدل القضاء في ثلاثة اتجاهات: إصدار مذكرة توقيف بحقّ علي عيد، إخراج قضية جوزف صادر من الأدراج عبر المطالبة بنشر محضر لجنة حقوق الانسان، وإحالة مقال الصحافي ابراهيم الأمين إلى النيابة العامة التمييزية لما فيه من عبارات ذمّ بحقّ رئيس الجمهورية ومقام الرئاسة، ومن الواضح أنّ الحبل على الجرار والخير لقدام...
وقد تكون الدولة أعجز من الوصول إلى أيّ نتيجة في الملفات المذكورة، إنما مجرد إثارتها وفتحها يشكل رادعاً معنوياً في هذه الملفات وغيرها، إذ إنّ خلاف ذلك يعوّد الناس على تجاوز القوانين والاستهتار بالدولة، وإذا كان «حزب الله» باستطاعته إخفاء المتهمين باغتيال الشهيد رفيق الحريري، فإنه لا يستطيع حماية أحد من المثول أمام القضاء، وبالتالي المهم في كل هذه المسألة أن يتصرف الوزراء كوزراء بعدم الأخذ في الاعتبار سوى ممارسة مسؤولياتهم بحدود ما تسمح به القوانين لا أكثر ولا أقل.
وبهذا المعنى رتبة المعالي ليست للوجاهة، إنما لقيادة شرف المواجهة دفاعاً عما تبقى من مؤسسات الدولة وسيادة في لبنان، خصوصاً أنّ الحكم ممارسة، ومن الطبيعي أن تكون ولاءات الموظفين لهذا الاتجاه أو ذاك طالما أنّ الدولة لا تتحمل مسؤولياتها بتأمين المظلة الواقية لعملهم ووظيفتهم، وبالتالي عندما يشعر أيّ موظف أنه محمي من دولته يقوم بوظيفته على أكمل وجه، لا سيما وأنّ مزاج الناس أميل وأقرب باستمرار إلى منطق الدولة لا الميليشيات والدويلات.
فالمطلوب من وزراء «14 آذار» في هذه اللحظة وأكثر من أيّ وقت مضى أن يكونوا القدوة في أدائهم داخل وزاراتهم وحول طاولة مجلس الوزراء، وأن تكون أولوياتهم ممارسة صلاحياتهم على أكمل وجه من دون الالتفات إلى الخلف أو ممارسة الرقابة الذاتية على سلوكهم تجنّباً لردة فعل من هنا أو من هناك، لأنّ أيّ سلوك من هذا النوع يعني الخضوع لمبدأ الترهيب السياسي الذي يقود إلى الشلل بالحدّ الأدنى، كونه يتيح للطرف الآخر مواصلة تمدده داخل جسم الدولة.