جوني منيّر
الديار
سيبقى الوضع السوري محور الحركة في الشرق الاوسط ولفترة طويلة. وستشهد هذه الحركة ضغوطاً خارجية كبيرة، واستمرار واقع عدم الاستقرار في الداخل السوري، وسقوط ضحايا سياسيين لا سيما في لبنان والذين كان اولهم الرئيس سعد الحريري.
وصحيح ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان استعمل عبارات جافة وقوية خلال الايام الماضية تجاه النظام السوري، لكن الصحيح ايضا ان هذه المواقف شكلت تراجعاً عن مواقفه الحاسمة سابقاً والتي جاء فيها ان هذا النظام انتهى، وانه لن يلتقي ابداً الرئيس السوري بعد الآن. كذلك فان المواقف الدولية تراجعت حماستها وذلك منذ زيارة امير قطر الى طهران، حيث تحدث الرئيس الايراني بوضوح عن معادلة تساوي بين سوريا ودول الخليج.
العارفون يقولون بأن النظام السوري كسب نقاطاً عدة في الاسابيع الماضية في صراعه مع اخصامه. فهو أولاً تمكّن من اعادة فرض سيطرته على الارض بنسبة كبيرة، بعد ان كاد يفقد المبادرة بفعل انتشار ما يعرف بالمقاومة المسلحة للمتظاهرين، وفيما كانت الحسابات الغربية ولا سيما التركية تتركز على شهر رمضان كمرحلة قاتلة للنظام، كان للجيش السوري رأيآخر مع نجاحه في تنفيذ ضربة استباقية لا سيما في حماه ومحيطها وفي دير الزور، ولا شك في ان الورقة الرابحة الاصح التي بقي النظام يمتلكها هي امساكه بالقوات المسلحة. فعلى الرغم من التركيز الاعلامي بهدف ضرب الجيش واحداث انشقاقات فيه، لم تسجل خطوات كبيرة على هذا الصعيد تسمح بالتعويل عليها، وبقي الامر في اطار فرار محدود لعناصر عسكرية. وصحيح ان حال عدم الاستقرار ستبقى هي السائدة، وسط وجود صعوبة في انهاء التناحرات بالكامل، الا ان الخطر الدخلي الحقيقي لم يعد موجوداً، او على الاقل تراجعت حظوظه كثيراً.
وسط ذلك اندفعت تركيا الطامحة للعب دور كبير يصل الى مصر والخليج العربي، وروجت بأنها قادرة على ممارسة ضغوط ستؤدي في النهاية الى سقوط النظام في سوريا. هذا المشروع الذي يتدرج من ضغوط على الحدود عبر اقامة المنطقة العازلة، وصولاً الى شق الجيش وانتهاء بتأمين الغطاء العسكري للمعارضين السوريين، حتى ولو تطلب ذلك تورطاً عسكرياً تحت غطاء دولي ومشابه لما قامت به فرنسا في ليبيا.
لكن ايران التي بادرت بازعاج الخاصرة التركية عبر الاكراد، لوحت بأن اللعبة لن تقف عند هذا الحد، بل ان خارطة المنطقة كلها ستكون على المحك.
وفي كلام اردوغان عن حرب اهلية بين العلويين والسنة في سوريا ما يشبه تحريض الشارع السني للثورة على «الاقلية الحاكمة». طبعاً هذا المسار قد لا يبدو قابلاً للسيطرة عليه، وهو ما يعني ان العواصم الغربية والتي طنّشت على المشروع التركي ربما لاعتقادها انه غير قابل للنجاح، انما ستجد نفسها قلقة من ايصال الوضع في سوريا الى هذا المستوى من التهور، لأن واقع المنطقة كله سيصبح في مهب المجهول غير القابل للسيطرة. اضف الى ذلك، ان هذا الاحتمال في حال حصوله، سيدفع بروسيا للتحرك بحثاً عن ضمان مصالحها، ولن تكون الصين بعيدة عنه وهي الطامحة لبدء توسيع دورها على المسرح العالمي ولا سيما على مسرح الشرق الاوسط الذي يشكل احدى نقاط القوة العالمية لواشنطن، كما انه سيدفع بحزب الله للدخول مباشرة في مستنقع المواجهات، وهو صاحب «الخبرة» الذي يملك تنظيما ممتازا في هذا المجال، اضف الى ذلك فتح مخاطر المواجهات مع اسرائيل.
ويروي مصدر ديبلوماسي في هذا الاطار، ان واشنطن عندما اعطت للرئيس نجيب ميقاتي الضوء الاخضر لولادة الحكومة، انما كان لديها حسابات خاصة ودقيقة. واحد اوجه هذه الحسابات ان هذه الحكومة والتي ستتأثر كثيرا بحزب الله انما ستشكل فعلاً الحاجز الذي سيبعد تأثير الحزب عن الاحداث في سوريا، من خلال ايكال المسؤولية الامنية له في لبنان. فكونه سيصبح المسؤول الاول الرسمي، فان هذا ما سيجعله محصوراً ضمن حدود معينة.
ووفق ما تقدم، فان هذه الاوساط الديبلوماسية تعتقد أن الترجيحات حول الاحداث في الشرق الاوسط انطلاقاً من سوريا ممكن ان تذهب في اتجاه من اثنين:
الاول وهو الانزلاق اكثر فاكثر باتجاه الفوضى الشاملة او الحرب الشاملة مع كل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من آفاق غير محسوبة وغير قابلة للسيطرة عليها فيما بعد، اما الثاني فهو فرملة الاندفاعة الغربية على سوريا عند هذا الحد، وترك الامور تذهب باتجاه عدم الاستقرار لفترة طويلة سيصحبها من دون شك، تفاقم الازمة الاقتصادية وبالتالي اضطرار النظام في سوريا للمساومة والمقايضة على ملفات كثيرة تكدسها واشنطن لطرحها في الوقت المناسب، وسط استمرار الضغوط الاسلامية والسياسية الخارجية على دمشق.