راجح الخوري
النهار
أنهت الأزمة السورية الدامية شهرها السادس. لكن قياساً بالواقع الأمني في الداخل وبالحذر السياسي في الخارج، يبدو ان ما جرى حتى الآن ليس أكثر من بداية طريق طويل من المآسي والدماء والآلام. كان من الواضح ان الوضع بات منذ الشهر الثالث لاندلاع الأحداث، وبعد سقوط هذا العدد الكبير من القتلى، يشبه صعود السلم الكهربائي الذي يأخذك دائماً الى فوق فلا تستطيع النزول أو التراجع. وهكذا تتساقط المبادرات والمساعي الى وقف العنف والانخراط في عملية إصلاح حقيقية، كما يتساقط القتلى يومياً في كثير من المناطق السورية. كان من الممكن الذهاب الى الحوار ومباشرة وضع برنامج إصلاحي بالتفاهم بين النظام والمعارضة في الأشهر الأولى، وخصوصاً بعدما وعد الرئيس بشار الأسد تكراراً بالتغيير، ولكن لم يعد هناك الآن متسع من الثقة بين النظام والمتظاهرين الذين كانوا خائفين وصاروا مخيفين.
في يوم واحد قرأ المراقبون كلاماً ينعى مبادرتين.
أولاً "المبادرة العربية" التي سقطت قبل ان تولد ورفضت دمشق ان يحملها نبيل العربي إليها، فكانت زيارته الفاشلة بعد تأخير تعمدته دمشق.
وثانياً "المبادرة الروسية" التي عرضها ميخائيل مارغيلوف على وفد المعارضة السورية الذي زار موسكو، وهي مبادرة تدعو الى مفاوضات بين النظام والمعارضة تجرى في قبرص، وقد أعدّتها روسيا لقطع الطريق على مشروع القرار الغربي الناشط في كواليس مجلس الأمن. ولكن اذا كان الأسد يرفض أصلاً مفاوضة المعارضة لأنه يعتبرها ضالعة في مؤامرة على النظام، فإن وفد المعارضة اشترط على مارغيلوف الحصول على اعتذار من الأسد وسحب الجيش وإطلاق المعتقلين والسماح بالتظاهر ومحاكمة من وصفهم بالمجرمين "وأولهم ماهر الأسد ورامي مخلوف كشرط للتفاوض على انتقال السلطة"!
بعد أسبوع على رفض "المبادرة العربية"، أعلن نبيل العربي ان النظام السوري لا يتجاوب مع الجهود العربية. جاء هذا في وقت يبدو الصراخ التركي مجرد صدى في برية، فعملياً لا يوازي ما تطلقه الدبابات السورية من القذائف إلا ما يطلقه الزعماء الأتراك من تصريحات نارية لإدانة النظام يتبين يوماً بعد يوم أنها مجرد "قذائف من الدخان الكلامي". بعد ستة أشهر من القتل تبدو الأزمة السورية كأنها اجتازت خط الرجعة. فمن جهة المتظاهرين باتوا يصيحون: وما يخشى القتيل من الرصاص؟ بمعنى أنهم يدركون جيداً أنهم لو عادوا اليوم الى منازلهم فإن الأمن سيقتادهم غداً الى السجون وبئس المصير. أما من جهة النظام فإنه يدرك جيداً أنه بمجرد ان يبدأ بالتراجع أو التنازل فإنه سيخسر كل شيء وربما يواجه بئس المصير.
وهكذا يتضح ان الأزمة وصلت الى حائط مسدود، فلا التفاوض ممكن لإيجاد الحل مع من يعتبرهم الأسد متآمرين، ولا التدخل الخارجي متوقع لأن مستقبل التغيير غامض كغموض النسيج السياسي للمعارضة الموضوعة تحت مجهر التدقيق الغربي. والمخيف أن لا الدبابات ستتعب ولا القتلى سيستسلمون!