طارق ترشيشي
الجمهورية
مثلما كانت قوى 14 آذار ولا تزال تتكوّن من مجموعة قوى تختلف في مشاريعها السياسية ولكنها تتلاقى على هدف واحد هو مواجهة مشروع قوى 8 آذار، فإنّ الاكثرية الجديدة هي اليوم كذلك تتكوّن من مجموعة قوى تختلف في مشاريعها السياسية ولكنها تتلاقى على هدف واحد هو مقارعة مشروع فريق 14 آذار. ويعترف قطب بارز في الاكثرية انّ الوضع السائد بين المكوّنات السياسية لهذه الاكثرية غير مستقرّ على رأي موحّد إزاء الملفّات والقضايا التي تتصدّى لها، فكما لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي و"حليفه" رئيس "جبهة النضال الوطني" خياراتهما ومواقفهما فإنّ لحركة "امل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وبقيّة الاحزاب والقوى المشاركة في الحكومة مواقفها والخيارات ايضا.
الجميع يريدون للحكومة ان تحقّق الانجازات التي عجزت عنها الحكومات السابقة، لأنّها بذلك تستطيع ان ترسّخ موقعها وتعزّزه، ولكن عند الشروع في التنفيذ تبرز الخلافات والتباينات والعراقيل، وما حصل في ملفّ الكهرباء خير شاهد على ذلك. الأمر الذي يولّد شيئا من أزمة الثقة بين الاطراف الاكثريّين من شأنه إذا استمرّ ان يذهب بهم الى أماكن اخرى في الخيارات والمواقف السياسية.
ويقول القطب نفسه، إنّ الاكثرية حريصة على تعزيز دور رئيس الحكومة وموقعيّته داخل طائفته وعلى الصعيد السياسي والوطني، فهو جاء الى رئاسة الحكومة ليملأ فراغا أحدثه خروج الرئيس سعد الحريري من الموقع الثالث في هرم السلطة، وفي الشارع السنّي. وقد عملت الاكثرية وما زالت تعمل على مدّ العون له في هذا السياق، إلّا أنّها مع إدراكها لحجم الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرّض لها الرجل والهادفة الى التأثير على خياراته وعلى مصالحه الشخصيّة، فإنّها لم ترتَح كثيرا إلى ما عبّر عنه في حواره الاخير المتلفَز، خصوصا في الموقف حول موضوع تمويل المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، وحول قضيّة الموظفين السُنّة الكبار الذين يسمّيهم رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون "السُنّة الستّة" ويطالب بإقالتهم من وظائفهم.
ويشير القطب الاكثري البارز الى انّه في ضوء ما يسود بين بعض اركان الاكثرية من تباينات، فإنّ هناك خشية من صيرورة الحكومة حكومة تصريف اعمال من دون الحاجة ألى ان تستقيل لتصبح بهذه الصفة، بحيث يقتصر عملها على معالجة الملفّات غير الخلافيّة وترك المختلف عليها جانبا علّ الظروف تتبدّل لاحقا وتتيح معالجتها. كذلك هناك خشية حصول "استقالة حكومية". لكن هذا القطب يرى، أنّ أيّ استقالة حكومية دونها كثير من المحاذير، إذ سيكون من الصعب على الاكثرية تأليف حكومة جديدة، خصوصا إذا خرج من صفوفها بعد الاستقالة من كان بانضمامه اليها قد جعلها اكثرية، وفي مقدّم هؤلاء رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي بات يشكّل الآن "بيضة القبّان" بالنسبة الى ميقاتي، حيث تترسّخ العلاقات بينهما يوميّا وتتعزّز، في الوقت الذي يُرجّح ان تسوء العلاقة بين رئيس الحكومة وعون "الخارج منتصرا" من ملفّ الكهرباء، والذي وجد في المواقف الاخيرة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الوضع السائد في سوريا ومخاطره على المسيحيّين ما يعزّز "صحّة" خياراته السياسية إزاء الاوضاع المحلية والاقليمية والدوليّة. وخير دليل على ذلك هجوم عون قبل ايّام على ميقاتي واتّهامه بـ"مخالفة القانون" بسبب موقفه من الموظفين "السنّة الستة" والرافض إقالتهم من مناصبهم.
والى ذلك، يتحدث القطب الاكثري عن انّ بعض اركان الاكثرية يمارسون لعبة "سياسة الإرضاء" داخل هذا الفريق وإزاء بعض الاطراف الخارجية المتعاطية الشأن اللبناني، بحيث انّ هذا البعض يعطي الغير من "طرف اللسان حلاوة" وغايته من ذلك إرضاء الجميع وعدم اكتساب معارضة أو عداوة أي منهم. وكأنّهم في ذلك يحاولون تمرير المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة مع العلم أنّهم كانوا يدركون لدى تولّيهم المسؤولية أنّهم لن يكونوا قادرين على تحقيق إنجازات كبرى وباهرة. هل يصل الأمر بميقاتي حدّ الاستقالة يوماً تحت وطأة الضغوط الداخليّة والخارجية التي يتعرّض لها؟ يجيب القطب الأكثري قائلا "إنّ هذا الأمر غير مستبعَد"، لكنه في الوقت نفسه يرى أنّ الظروف الراهنة لا تسمح باستقالة من هذا النوع، خصوصا في ضوء حال الانتظار التي يعيشها الجميع لمعرفة ما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا والمنطقة، وكذلك ما سيؤول اليه ملفّ تمويل المحكمة عندما سيطرح في مجلس الوزراء، وما يمكن ان يتّخذ في شأنه من مواقف سواء أقرّ في هذا المجلس أو تمّ اللجوء الى خيارات أخرى على الصعيد النيابي أو خارج المؤسّسات الدستورية.
ويرى القطب انّ خروج ميقاتي من السلطة، في حال حصوله، يمكن أن يؤدّي الى انقلاب الاكثرية الحاليّة أقلّية، وهو ما تحاذر هذه الاكثرية الوقوع فيه، ما يفتح المجال لتكليف الحريري، أو ربّما الرئيس فؤاد السنيورة، تأليف الحكومة الجديدة، ولكن سيكون متعذّرا عليه تأليفها، ولكنّه في هذه الحال يصبح رئيسا مكلّفا في ظلّ حكومة مستقيلة تصرّف الأعمال إلى أمد طويل.