أفادت صحيفة "السفير" أنه تدريجياً، ستهدأ الجبهة التي فتحت على البطريرك الماروني بشارة الراعي، بعدما راجع الجميع حساباتهم وقرأوا جيداً مضمون كلامه، توقفوا عند توضيحات طفيفة. وقرر معظم من رفع صوته بالانتقاد التوقف عن الجهر بمعارضته لمواقف سيد بكركي الاخيرة، لكن سؤالاً ظل يدور في الحلقات الضيقة. هل تغيّر البطريرك؟ هل المطران الراعي هو غيره البطريرك الراعي؟
يقول أحد اركان "قوى 14 آذار" المسيحيين إن "الراعي لا يأتي من المجهول. ليس أحد مطارنة الظل الذين لا يُعرف لهم رأي او موقف خارج الشؤون الدينية والكنسية. هو من "صقور" مجلس المطارنة. وتاريخه حافل بالمواقف الشجاعة. لا يراعي ظرفاً او سلطة في الجهر بمواقفه حتى لو بدت في بعض الأحيان متطرفة. وآراؤه في كثير من المواضيع، لا سيما في الشأن الداخلي معروفة. هو من المنحازين بشدة الى فكرة الدولة وضد اي سلاح خارجها. لا يؤمن الا بها مرجعية في السلم والحرب والمفاوضات والحكم بين الناس وعليهم".
ويضيف "لا اظن ان البطريرك سينقلب فجأة على قناعاته على امتداد واحد وسبعين سنة من عمر مليء بالخبرة والتجارب. لكن الوقت كفيل في توضيح كل المواقف وأبعادها، وان كان في بعض الرسائل قد أوضح حدود ما قاله وخلفياته مؤكداً انه كان ناقلاً لبعض الافكار وان لم يكن يتبناها شخصياً".
في جلسة هادئة يفصل أحد المطارنة، وهو من القريبين من افكار الراعي وطروحاته، خلفيات الكلام البطريركي والمواقف المعلنة والأفكار التي تقلق راحة السابع والسبعين على كرسي انطاكية.
يستهلّ المطران كلامه بالقول إن "البطريرك الماروني هو نفسه راعي ابرشية جبيل ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام وحامل عشرات الوزنات الذي يعرف كيف يضاعفها. لم يتغيّر الا بمقتضى ما يتناسب مع موقعه الجديد. ونحن أناس نؤمن ان عمل الروح يلهم بطاركتنا ويسيّر خطاهم".
ويتوقف المطران نفسه بإسهاب عند مجموعة نقاط اثارت اللغط حول كلام البطريرك الباريسي، ويعددها على الشكل الآتي:
"اولاً، لا يغرد بطريرك الموارنة بعيداً عن سرب الكنيسة الجامعة ومواقف الفاتيكان. لكن ما يتم تصويره من كون البطريرك ( porte parole) او ناقل كلام الكرسي الرسولي لا ينمّ عن معرفة بالموقعين. فالفاتيكان لا يحتاج الى وسيط لنقل مواقفه من قضايا اساسية الى دول الغرب، لا سيما فرنسا. كما أن هامش الحرية والاستقلالية التي يتمتع بها بطريرك الموارنة، يجعله شريكاً في صياغة القرارات والمواقف لكونه أدرى بشعبه وبلاده ومنطقته. بالتالي فمواقفه تنبع من قناعاته التي لا تبتعد كثيراً عن رؤية الفاتيكان وقناعاته، لكنها لا تصدر بصيغة الإملاء ولا الفرض.
ثانيا، في الموقف من سوريا ودور المسيحيين والخوف عليهم من تطورات الاحداث، ينطلق البطريرك ايضاً من ثوابت وتجارب. في الثوابت ان الكنيسة ضد العنف والاقتتال والحروب ومع ايجاد كل السبل السلمية لحل النزاعات والخلافات داخل كل دولة كما بين الدول. وفي موضوع سوريا، استند البطريرك الى هذه الخلفية ليحذر من الوقوع في الأسوأ. وهو طالب في الوقت نفسه برفع الظلم عن الناس والاستماع الى مطالبهم المحقة وإعطاء الاولوية للاصلاح وتعزيز الديموقراطية. وفي هذا السياق، لا يمكن ان نلوم البطريرك من الخوف على مسيحيي الشرق خصوصاً بعد التجارب القاسية التي لا يزال يعيشها مسيحيو العراق ومصر.
ثالثاً، في تحالف الاقليات. لم يرد مرة على لسان البطريرك او مجلس المطارنة ما يشير الى اية قناعة مماثلة في الذهنية الكنسية. بل على العكس. إن البطريرك الأمين على الارشاد الرسولي الخاص بلبنان والسينودس من اجل الشرق يؤمن ويبشر بالدور المسيحي الفاعل والمشارك في العالم العربي الواسع والمتعدّد، وذي الاغلبية السنية. وهو يعتبر ان المسيحيين أبناء هذه البيئة وهذه الارض وان كانت لهم خصوصيتهم كما سائر مكونات هذا الشرق التي تغني بعضها بعضاً. فالفكر البطريركي مشرّع على الشراكة والمحبة للجميع. وتخوّفه من وصول أصوليين متطرفين الى السلطة يعكس حرصاً على جميع الطوائف وليس فقط على المسيحيين. فالأصوليون المتشددون، الى اية طائفة انتموا، يسيئون اولاً الى طائفتهم فكيف بسائر الطوائف؟
رابعاً، في الموقف من "حزب الله". مضحك مبكٍ موقف المزايدين على البطريرك في الحرص على حصرية السلاح في يد القوى الشرعية اللبنانية. فعدد غير قليل من هؤلاء كانوا ملكيين أكثر من ملوك "حزب الله" في الدفاع عن سلاحه. وما قاله البطريرك في هذا المجال واضح. فقد نقل وجهة نظر الحزب من موضوع السلاح. وما يقوله في تبرير حمله. وهو يريد ان تزول الأسباب الموجبة لنزع الذرائع من "حزب الله" ومن سواه. اما ما يمثله الحزب على الصعيد السياسي وفي النسيج الوطني فله في بكركي ما لغيره من الاحترام.
خامسا، في مكان وزمان التصريحات البطريركية. ربما لم تكن تصريحات البطريرك لتلقى الصدى الذي لاقته لو لم تصدر من فرنسا. لكن الراعي تقصّد المكان وفحوى الكلام. فليس دور بطريرك انطاكيا وسائر المشرق ان يُسمع الغرب ما يحب سماعه. هو ينقل واقع الحال ويعرض وجهة نظر كل ابناء شعبه، مسلمين ومسيحيين. يشرح هواجسهم ومخاوفهم. فللغرب، بما فيهم امنا الحنون، اجندتهم. ولنا مستقبلنا وتاريخنا في العيش معا. خلافاتنا نبحثها في الداخل. اما في الخارج فيجب ان يسمعونا بلغة قلقنا ومخاوفنا".
يستفيض المسؤول الكنسي في شرح الخلفيات البطريركية ويخلص مؤكداً "هذه بكركي وهذا قدر سيدها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك