كتبت صحيفة "الجمهورية": طرح دفاع رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن مواقف البطريرك بشارة الراعي تساؤلات حول تشكيل جبهة مارونية قوامها الرئيس سليمان والبطريرك الراعي والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية وحلفاؤهم، في مقابل مسيحيّي 14 آذار. ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: إلى أيّ حدّ يمكن اعتبار هذا الاستنتاج الذي خرج به البعض في محلّه؟ وهل يمكن فعلا الحديث عن تحالف رباعيّ مسيحيّ يضمّ ركني الطائفة المارونية في مواجهة مسيحيّي 14 آذار؟ وفي حال صحّت هذه الواقعة، أين مصلحة الراعي، الذي تمكّن من جمع القيادات المسيحيّة، في ضرب هذا "الإنجاز" بالتموضع مع فريق ضدّ آخر؟ وهل هو أساسا في هذا الوارد؟ وأين مصلحة سليمان في التحالف مع عون الذي أعلن مرارا وتكرارا بأنّه لا يحقّ للرئيس أن يكون لديه مرشّحون، وعمل المستحيل لتقليص حصّته الوزارية، فضلا عن أنّ طموحات عون الرئاسية وضعته منذ لحظة انتخاب سليمان في مواجهته؟
في هذا السياق ، أفادت أوساط سياسية مسيحية محايدة لصحيقة "الجمهورية" إنّ كلام رئيس الجمهورية في الديمان تمّ تحميله أكثر ممّا يحتمل، خصوصا أنّ جُلّ ما أراده الرئيس الدفاع عن البطريرك تظهيرا للتطابق بينهما، وطيّ صفحة السجالات في محاولة لإقفال هذا الملفّ الذي يضرّ بصورة بكركي ودورها على المستويين المسيحي والوطني. وهذا تحديدا ما فعله الراعي الذي سحب الموضوع من السجال السياسيّ لحظة عودته إلى بيروت، لأنّه لا يريد أن تتحول بكركي إلى موقع خلافي بين المسيحيّين واللبنانيين، سيّما أنّ كلّ همّه تركّز منذ لحظة انتخابه على الوصل لا الفصل، وهو حريص على الصورة الجامعة داخل البيتين المسيحيّ واللبنانيّ، وبالتالي هو ليس بوارد التموضع مع هذا الفريق السياسيّ أو ذاك، لأنّ بكركي فوق الاصطفافات السياسية. ومن هنا أيّ كلام عن جبهة رباعية لا يخرج عن سياق الكلام الإعلامي والاستهلاكي، وقد لا يكون أصحابه مدركين مدى السوء الذي يلحقه هذا الكلام بصورة البطريرك ودوره الجامع".
وتابعت: "هل يتصوّر أحدٌ أنّ الراعي الذي كسب الرهان والتحدّي بجمع المسيحيّين حول طاولة حوار مسيحيّة مستبعدا الملفّات الخلافيّة ومستعرضا الأولويّات المسيحية سيفرّط بهذه الهيئة الجامعة لمصلحة محاور داخل الطائفة؟ بالتأكيد كلّا، والبطريرك سيبقى على مسافة واحدة من الجميع، والإطار الجامع لكلّ هذه القوى، ولا تعارض بين أهدافه الوحدويّة على مستوى الصفّ المسيحيّ، وبين ما يعلنه من مواقف تعبّر عن قناعاته وثوابت بكركي ومسلّماتها".
هذا على مستوى البطريرك، أمّا على مستوى الرئيس، فلفتت الأوساط نفسها إلى "أنّ ما ينطبق على العلاقة بين سليمان والراعي لا ينسحب على العلاقة بين سليمان وكلّ من عون وفرنجيّه، كما أنّه من المبكر الكلام عن اصطفافات أو تحالفات بين الرئيس وأيّ طرف سياسي، ليس فقط لأنّه ما زال يفصلنا عن الانتخابات أكثر من سنة ونصف السنة، إنّما لأنّ التطوّرات السياسية ولا سيّما العربية ما زالت تلقي بثقلها على الأحداث المحلّية".
ولاحظت الأوساط أنّها "المرّة الأولى التي يكون فيها البطريرك بحاجة إلى دعم الرئيس، بينما كان الرئيس يبحث دائما عن دعم البطريرك ويحتاجه، وهذا ما يفسّر الدور التكامليّ بين الراعي وسليمان، إذ لطالما مدّ الراعي رئيس الجمهورية بجرعات دعم تعزيزاً لدوره. ولعلّ هذه العلاقة النموذجية بين الرجلين هي التي يجب أن تسود وأن تشكّل القاعدة في إطار توزيع للأدوار لما فيه مصلحة المسيحيّين".
وذكرت الأوساط أنّ "رئيس الجمهورية كان أقرب في الاستحقاقين النيابي والبلدي إلى 14 آذار منه إلى 8 آذار، وبالتالي لا يوجد ما يستدعي من سليمان أيّ تبديل، خصوصا أنّ شعبيّة عون إلى انحسار لا انتشار، والدليل سعيه إلى النسبيّة، لأنّه لو لم يكن رئيس تكتل التغيير والإصلاح متأكّدا من تراجع شعبيته لما وافق على النسبية و"فَرْطَعَة" تمثيله، إنّما خشيته من خسارة مدوّية هي التي كانت وراء إعادته النظر بالقانون الأكثري".
وفي هذا السياق، رأت أوساط مسيحيّة 14 آذاريّة "أنّ إيضاحات البطريرك المتكرّرة لمواقفه الباريسيّة كافية وحدها لطيّ هذه الصفحة واعتبارها كأنّها لم تكن"، معتبرة أنّ "محاولة القفز فوق هذه الإيضاحات والتعامل مع المواقف الباريسية من دون الأخذ في الاعتبار التوضيحات الصادرة عن الراعي في بيروت، يعني أنّ ثمّة فريقا كلّ همّه استغلال بكركي بغية توظيفها في مشروعه السياسيّ الدويلتي، فضلا عن رفضه الإقرار بالهزيمة المتمثلة بعدم قدرته على استخدام هذا الصرح الوطنيّ كمظلة لمشروعه الفئوي".
واعتبرت الأوساط الـ14 آذارية أنّ "الكلام عن جبهة مارونية في مواجهة مسيحيّي 14 آذار لا يعكس حقيقة الواقع، إنْ لجهة عدم أخذ إيضاحات البطريرك في الاعتبار، أو لناحية أنّ الأولوية في المرحلة الراهنة هي لترقّب ما يحصل من تطوّرات على المستوى السوري، وهي تطوّرات متسارعة، خصوصا أنّ انهيار النظام السوري سيسبق بالتأكيد الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي لا مصلحة للرئيس والبطريرك بأن يشكّلا رافعة لعون وفرنجية أو رافعة لمشروع انتهى، بل من مصلحة بكركي وبعبدا الاستفادة من انهيار هذا المشروع للربط مع الربيع العربي انطلاقا من الدور المسيحيّ المطلوب في الحقبة الجديدة".
وأشارت الأوساط نفسها إلى أنّ "بكركي وبعبدا هما رافعة مشروع الدولة في لبنان، فضلا عن أنّ هاتين المرجعيتين تقرأان جيّدا التحوّلات الحاصلة، وبالتالي كلّ كلام آخر لا يخدم دورهما المطلوب في الإطلالة على المرحلة الجديدة والتي يجب على المسيحيّين أن يكونوا روّادها".
وأوضحت الأوساط "إنّ رئيس الجمهورية، وعبر دفاعه عن البطريرك، كاد يعيد فتح السجال "الباريسي" بتسليطه الضوء إلى العناوين الخلافية التي أثارها الراعي في باريس، من مسألة "وجود مخطّط لتقسيم الشرق الأوسط دويلات مذهبيّة" إلى وجود "خطر إسرائيلي يتمثل بالاعتداءات المتكرّرة والأطماع وخطر التوطين"، خصوصا أنّ هذه العناوين بالذات هي التي أفضت إلى الخلاصات التي توصّل إليها الراعي والتي اعتبر أنّها حُوِّرَت واجتُزِئَت". وتعتقد الأوساط نفسها "أنّه على رغم مواقف رئيس الجمهورية في الديمان، من الحِكمة سحبُ الموضوع من التداول".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك