تَنهمِك الديبلوماسية الدولية في نيويورك بملفين أساسيين، هما:
1 - توزيع جوائز الانتصار على الدول المشاركة في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، ورسم المستقبل السياسي لليبيا الجديدة.
2 - إصرار السلطة الفلسطينية على انتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وطلب عضويتها الكاملة في الامم المتحدة، ورفض الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل هذا الأمر رفضا مُطلقا.
أمّا المسألة السورية فستكون حاضرة في الكواليس والاتصالات بين الرؤساء أوباما وساركوزي وكاميرون واردوغان، الذين سوف يبحثون في لقاءات ثنائية عناوين خريطة طريق للتعامل مع النظام السوري في المرحلة المقبلة، بعد مضي أكثر من ستة اشهر على نشوء الأزمة، وفشل الحلّ الأمني في وقف العنف والاحتجاجات.
لقد ازداد الوضع تعقيدا في سوريا، وسقط حاجز الخوف، وبلغت الاحتجاجات (وبعضها مسلّح) حَدّا لم يكن أحد ليتخيّله قبل أشهر.
ولا مبالغة في توصيف الواقع السوري ميدانيّا بوضعية تشبه الحرب الاهلية، إذ إنّ التظاهرات ليست سلمية مئة في المئة، والنظام لم يستنفر الدبابات والزوارق الحربية فقط للتصدي للتظاهرات السلمية، بل لجماعات مسلحة.
ومع أنّ قوى بارزة في المعارضة السورية في الداخل تنادي بالحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات، إلّا أن الانتقال الى حمل السلاح قد لا يطول، بعدما وصلت الأمور الى مرحلة اللاعودة.
وليست مصادفة أن تَحثّ واشنطن الرعايا الاميركيين على مغادرة سوريا، مُحذّرة من أنّ التطورات لاحقا قد تمنعهم من إيجاد وسيلة للخروج. كذلك، ليس مصادفة أن تُرسل سوريا ضبّاطا طيّارين لاكتساب خبرات من مناورات خاصة بمنظومات الدفاع الجوّي في روسيا مطلع الشهر الجاري، والتدرّب على مواجهة طائرات من النوع الذي تستخدمه قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو).
وعلى رغم كلّ التأكيدات بأن لا مصلحة للمجموعة الدولية في التدخّل في سوريا، خصوصا انه لا توجد استثمارات مُغرية فيها، ولا تملك الكثير من النفط لتغطية حرب مُكلفة، فإنّ فرنسا تُرسِل إشارات الى اللاعبين الاقليميين أنها وحلفاءها مستعدون للذهاب الى أبعد مدى لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية في الشرق الأوسط عموما، وسوريا خصوصا.
في هذا المناخ، يطلّ لبنان على العالم من نيويورك، منقسما في خياراته ومترددا في التزاماته، وغائبا في قراراته، وبالتالي سيسمع كلاما حازما من الدبلوماسيتين الأميركية والفرنسية فيه دهشة لأسلوب تعامل بعض المسؤولين اللبنانيين مع الملف السوري وكأنّ شيئا لم يكن، وتذكيرهم بأنهم لم يستوعبوا "حقيقة" أنّ الوضع في سوريا هو في طور التغيير، أي أنّ هذه الأخيرة لن تبقى كما هي مهما أتت نتيجة الأزمة التي تمرّ بها، وسوف يسمع اللبنانيون تحذيرات على شكل نصائح، مفادها أنّ مصلحة لبنان تقضي بالعمل على استدراك تفادي انعكاسات الأزمة السوريّة عليه، وتحذّر في الوقت ذاته من قيام سوريا وحلفائها بإثارة "مشكلات حسّاسة" في لبنان أو على الحدود مع إسرائيل، بهدف تحوير الانظار عمّا يجري داخل سوريا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك