كلام حول حكومة لبنانية جديدة الصيف المقبل
الديار

تبادل الرسائل الاقليمية عبر الساحة اللبنانية ادت الى هذه البرودة الثقيلة على مستوى الحركة السياسية اللبنانية الداخلية، وبالتالي وضع الملفات على نار خفيفة.

فالتعيينات الادارية والامنية امامها فترة انتظار غير محددة قبل انجاز اتفاق حولها.

والانتخابات البلدية يبدو مصيرها رماديا وسط حديث قوي في الكواليس عن ان تأجيلها هو الاكثر ترجيحا، ويبدو ان الفريق الذي ما يزال يتريث في الشروع في تأجيل هذه الانتخابات يسعى لان ينال ثمنا سياسيا من الفريق الذي حسم امره لناحية تأجيل هذه الانتخابات.

ولذلك تظلل الرتابة الخطاب السياسي الداخلي، على عكس الرسائل الاقليمية الملتهبة عبر صندوق البريد اللبناني.

فالضغط الاعلامي الاسرائيلي المكثف الذي نفذ للتأثير على الشارع اللبناني منذ الاعلان عن نجاح اسرائيل في تجربتها للصواريخ المضادة للصواريخ، وبالتالي اكتمال الاستعدادات الاسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية على لبنان ستكون قاسية ومدمرة، قابلتها رسالة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اول من امس والتي هدفت الى اجهاض الضغط النفسي الاسرائيلي، وتحويله الى ضغط نفسي معاكس باتجاه الشارع الاسرائيلي.

فالمعادلة التي اعلنها نصرالله بأنه مقابل تدمير كل بناية في الضاحية ستدمر ابنية في تل ابيب، ومقابل البنى التحتية اللبنانية ستضرب البنى التحتية الاسرائيلية، انما جعلت عمق الشارع الاسرائيلي والذي يثق جدا بكلام امين عام حزب الله، تحت هاجس الضغط والخوف من الحرب.

ورسائل الضغط المتبادل بين الحكومة الاسرائيلية وحزب الله ليست معزولة بالطبع عن المشهد الاقليمي العام.
فالساحة الفلسطينية تتنفس على وقع المفاوضات الاميركية - الاسرائيلية الشائكة.

الحكومة الاسرائيلية اجهضت افكار ادارة اوباما حول التسوية السلمية، فيما واشنطن دقت ناقوس الخطر على اعتبار ان محور محمود عباس - سلام فياض يتآكل وهو بات في سباق مع الوقت قبل ان ينهار كليا وبالتالي زوال آخر حلفاء واشنطن على الساحة الفلسطينية وسيطرة حماس المطلقة على الملف الفلسطيني.

والمخيمات الفلسطينية في لبنان وفي طليعتها مخيم عين الحلوة تتفاعل مع تطورات الداخل الفلسطيني وتنقل الرسائل المرمزة الى الاطراف الاقليمية.

فالتآكل والاهتراء الذي يصيب السلطة الفلسطينية ينعكس بدوره تفككا وانقسامات على مستوى حركة فتح في لبنان، وبلغ وهن السلطة الفلسطينية ان محمود عباس اصدر قرارا يقضي بإجراء تعيينات جديدة على حركة فتح في لبنان، لكن قراره بقي في الدرج ولم يتجرأ على ارساله للتنفيذ لخشيته ان يؤدي ذلك الى انفجار الصراع داخل اجنحة حركة فتح وبالتالي تجاوز السلطة الفلسطينية نهائيا.

فالشارع «الفتحاوي» يعيش حالة اهتراء نتيجة عاملين: الفساد المستشري وغياب القضية التي تجمع وتوحد القواعد الشعبية.

وفي موازاة الصراع الاقليمي في الداخل الفلسطيني، خصوصا محاولة سوريا الامساك بجزء اساسي من الورقة الفلسطينية في مقابل شراسة مصرية لابعادها، جاءت الحركة الاقوى في لبنان حين استعاد ابو موسى حركته وحضوره بعد طول غياب.

يومها لم يفهم اللبنانيون حقيقة الرسالة التي نطق بها المسؤول الفلسطيني الموالي لدمشق، لقد ارادت سوريا من خلال ابو موسى ارسال اشارة الى العاملين على الخط الفلسطيني بأنه لا يجب تجاوزها، وتلك الرسالة جاءت خلال الجولة التي قام بها الموفد الاميركي الخاص جورج ميتشيل الى المنطقة وقبيل وصوله الى بيروت.

ولم تتأخر الرسالة الثانية بالظهور، ولكنها حملت الطابع «الحربي» هذه المرة من خلال اندلاع اشتباكات عنيفة في مخيم عين الحلوة، الدبلوماسيون الذين تابعوا مسار المواجهات الدامية في عين الحلوة ادركوا على الفور ان ثمة رسالة بليغة جرى توجيهها من خلال القذائف الصاروخية والاقتحامات التي طالت مواقع استراتيجية لحركة فتح في المخيم، فالصدامات الاخيرة لم تكن عادية، اي بمعنى انها ليست وليدة احتكاك عادي يجري تطويقه بسرعة.

وحسب هؤلاء الدبلوماسيين فإن الواقع الميداني لحركة فتح بدا ضعيفا ومتراجعا، في مقابل توحد الحركات الفلسطينية المتحالفة مع سوريا والمجموعات الاصولية.
وحسب هؤلاء الدبلوماسيين فإنه لو قدر لهذه المعارك ان تستمر، لكانت ربما ادت الى خروج حركة فتح من معادلة مخيم عين الحلوة اكبر مخيمات لبنان.

وكانت هذه الاوساط الدبلوماسية وفي اطار متابعتها للواقع الفلسطيني في لبنان قد استنتجت ان حال الاهتراء لدى حركة فتح في لبنان ستجعل من هذه الحركة في حال اندلاع مواجهات مع اخصامها ثلاثة اجزاء: الجزء الاول سيقف جانبا ويترك ارض المعركة، والجزء الثاني سيقاتل، اما الجزء الثالث، وهو المفاجأة سينضم الى القوى الاخرى من منظمات متحالفة مع دمشق واخرى اصولية.

وفي استنتاج هؤلاء ان الرسالة التي وجهتها دمشق من خلال المنظمات الفلسطينية المتعاونة معها، انها كانت قادرة على ترسيخ معادلة فلسطينية جديدة مناقضة تماما لتلك السائدة الان، وانها قادرة على تنفيذ ذلك كل لحظة اذا جرى تجاوزها على مستوى مشاريع التسوية المتعلقة بالملف الفلسطيني.

وتقرأ الاوساط الدبلوماسية الاوروبية انه آن الاوان ربما لانجاز تسوية ما مع دمشق حول الواقع الفلسطيني في لبنان قبل الوصول الواقع اخطر.

فحسب هؤلاء فإن التحالف القائم الان بين المنظمات المتحالفة مع دمشق والحركات الاسلامية، انما هو تحالف الضرورة وتفرضه معطيات المرحلة.

فلا دمشق تستسيغ هذه الحركات التي بدورها اكثر ما تخشاه هي المنظمات الفلسطينية المتحالفة مع دمشق مثل «القيادة العامة» وان ترك الامور على غاربها الان وفي هذه المرحلة ستعني تعشعش المتطرفين الاسلاميين داخل المخيمات الفلسطينية لدى الانهيار الكامل لحركة فتح مما سيعيد لبنان كساحة جهادية مع صعوبة لا بل استحالة اخراج هؤلاء من جديد من هذه المخيمات.

ويعتقد هؤلاء ان تنفيذ صفقة مع دمشق الان يشارك بها لبنان من خلال التفاهم على انهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات وخصوصا ان هذه المواقع لم تعد ذات اهمية عسكرية او استراتيجية والعمل على ادخال هذه المنظمات الى داخل المخيمات، وهو ما سيشعرها بالقوة ويجعل منها الطرف الاقوى القادر على ضبط اوضاع المخيمات وانهاء ملف التيارات الاصولية بداخلها.
وطبعا هذا سيسعد دمشق كونه سيدخلها كلاعب اساسي كبير في الملف الفلسطيني وربما سيفتح مستقبلا باب التنافس بين سوريا وايران من خلال العمل على امتلاك الساحة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تكون الحكومة اللبنانية قد عززت اوراقها واستعادت جزءا من هيبتها بإغلاق ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.

وهنالك من يتحدث عن حركة ستحصل مع دمشق حول هذا الملف وتسوياته.

لكن هنالك من يعتقد ايضا ان هذا الملف لا يمكن ان يحصل الا من خلال حكومة جديدة في لبنان قادرة على مواكبة هذه المرحلة بكل ابعادها وتفاصيلها.

فالحكومة الحالية (حسب هؤلاء) هي حكومة تسوية انتهت مفاعيلها لان مرحلة التسوية اصبحت وراءنا وما ينتظر لبنان مرحلة مواكبة المشاريع.

ففي العراق انتخابات نيابية سينتج عنها حكومة جديدة، والمملكة العربية السعودية مهتمة كثيرا بالواقع العراقي والذي يتشارك معها وفق حدود لا بأس بها، وفي المقابل سوريا امسكت بالكثير من الاوراق العراقية وهي قادرة على المساومة بها مع الرياض بعيدا عن ايران التي تقض مضجع الخليج العربي.

وفي لعبة مصالح الامم، هنالك تبادل مشاريع، السعودية مهتمة بالواقع العراقي كأولوية، وسوريا مهتمة بالواقع اللبناني كأولوية مطلقة.

لذلك، هنالك من يتوقع سقوط هذه الحكومة وولادة حكومة لبنانية جديدة بعد اتضاح الصورة في العراق، اي الصيف المقبل، على ان يكون طابع الحكومة المقبلة عملي ومواكب للمشاريع الكبرى في المنطقة بدءا من الملف الفلسطيني وصولا الى الخطوط المتشابكة والمعقدة بين سوريا وايران وتركيا والسعودية.