رفيق خوري
الأنوار
المسافة البعيدة في لبنان بين الطموح والواقع تزداد بُعداً. كذلك الفارق بين ما يحلم به أي متنور رؤيوي يصل الى السلطة وما يجد نفسه عاجزاً عن فعله ومضطراً أحياناً الى فعله بقوة الأمر الواقع. فمن امارات الطموح أن يختار الرئيس ميشال سليمان تطوير (الديبلوماسية الوقائية) التي بدأها الأمين العام الراحل للأمم المتحدة داغ همرشولد، عنواناً لاجتماع في مجلس الأمن برئاسته على مستوى الرؤساء. ومن علامات البؤس في الواقع أن تبدو الرئاسات والبرلمانات والحكومات المتعاقبة محكومة بممارسة السياسات السلحفاتية التي تسبقها الأحداث والتأخيرية حتى في معالجة قضايا الناس العادية.
في مجلس الأمن كان الاستشراف من بعيد للمخاطر على العالم والأزمات فيه وضمان الوسائل والأدوات للوقاية منها. فالحروب (ليست حتمية) كما قال رئيس الجمهورية. و(الديبلوماسية الوقائية) ضرورية في مرحلتين متلازمتين: الأولى هي (العمل على منع نشوب النزاعات، ثم منع تفاقمها وتحولها صراعات، اذا نشبت، والحؤول دون انتشارها). والثانية هي (معالجة جذور الأزمات) بحيث تكون الحلول جذرية فلا تقود الى أزمات جديدة.
وعلى أرض لبنان كان ولا يزال العجز (المثلث): أولاً عن تفادي الأزمات وحتى عن الامتناع عن صنع الأزمات. وثانياً عن ادارة الأزمات بالحد الأدنى من الخسائر.
وثالثاً عن حل الأزمات. والمقصود ليس الأزمة البنيوية العميقة في النظام الطائفي المفلس والعصي على التغيير الذي يطلبه أهل الطموح والمحروس بقوى متناحرة ومنقسمة على كل شيء ومتفقة على ديمومته، بل الأزمات التي على سطح الأزمة في النظام. ولا فرق، سواء كانت الأزمات وطنية أو سياسية أو مالية واقتصادية أو اجتماعية أو كانت متصلة بالعلاقات مع الخارج والأحداث في المنطقة. واذا كان الرئيس سليمان يضع (حوار الثقافات) بين أسس الديبلوماسية الوقائية، فإنه يصطدم في لبنان بانقطاع الحوار السياسي بين الزعامات.
حتى المشروع الكهربائي الذي هلل الجميع للموافقة عليه، فإنه تأخر عشرين عاماً وكان ضحية سياسات تأخيرية. وحتى في الأمور المصيرية، فإن لبنان يبدو من دون سياسة وقائية في عز التحولات في المنطقة لحمايته من التأثر بأية تطورات سلبية من حوله، ومن دون سياسة فاعلة لافادته من التطورات الايجابية. لا شيء سوى سياسات بالمياومة. ولا أحد يعرف كيف يحقق لبنان الطموح الى استعادة دور حضاري كان له، وسط الوقوع في أسر صراعات الأدوار الإقليمية والدولية فوق أرضه.
واذا كان الطموح من حقنا، فإن من واجبنا تحضير الظروف لتحقيقه. والمشكلة ان كل السياسات صراع على السلطة في غياب العمل لبناء مشروع الدولة.