تفاعلت قضية استدعاء المحاميين كارلوس داوود ونزار صاغية للاستماع إليهما، لنشر الأول بحثاً قانونياً في نشرة يعتبر الثاني مسؤولاً عنها، لتتحول معركة حرّيات داخل جسم المحامين وعنواناً لمعركة انتخابات النقابة المقبلة
محمد نزال
لم تكن نقيبة المحامين أمل حداد تتوقع أن يشعل قرارها استدعاء المحاميين نزار صاغية وكارلوس داوود إلى التحقيق النقابي «قضية حريات»، وأن يطلق صفارة البدء لمعركة انتخابات نقابة المحامين، قبل شهرين من موعدها، بعدما تحوّلت «حرية المحامي» شعاراً لمعظم الطامحين الى منصب النقيب. قبل أربعة أيام، حضر المحامي داوود إلى النقابة، بحسب موعد الاستدعاء الذي حُدد له، للقاء مفوض النقابة لدى قصر العدل في بيروت والاستماع إليه، أو للتحقيق معه، بسبب بحث قانوني نُشر في نشرة «المفكرة القانونية»، من دون إذن مسبق من النقابة.
وللمفارقة، فقد تناول داوود في بحثه «علاقة المحامي بوسائل الإعلام»، لكن التحقيق لم يحصل، بسبب تأجيل الجلسة إلى 11 تشرين الأول المقبل، وذلك بعد طلبه إبلاغه وإفهامه ما نُسب إليه بوضوح، حتى يُصار إلى تحضير الدفاع على أساسه.
«الأخبار» التقت المحامي داوود بعيد خروجه من النقابة، وسألته عمّا حصل، فقال: «طلبت أن أعرف ما هي المخالفة التي ارتكبتها، ولذلك تأجلت الجلسة... نحن في معركة حريات». ولفت إلى أن كل نقابات المحامين في العالم «لا تقيّد حرية المحامين بهذه الطريقة»، متسائلاً: «أين لجنة الحقوق في النقابة من هذا الموضوع، وأين هي مواقف أعضاء النقابة؟».
من جهته، قال المسؤول عن «المفكرة القانونية» المحامي نزار صاغية إن مسؤولاً في النقابة اتصل به وطلب حضوره، فرفض تلبية الدعوة قبل أن يتسلّم بلاغاً رسمياً بذلك، وأنه سأل المتصل عن سبب الدعوة «طالما أن النقيبة حداد نفت عبر وسائل الإعلام وجود استدعاء وتحقيق؟». ولفت صاغية، في حديث الى «الأخبار»، إلى أن ما نُشر كان «ممارسة لحرية الرأي، الأمر الذي يكفله الدستور، وإن أي إجراء يتخذ بحقنا بسبب ذلك سنعتبره اعتداءً على حريتنا، وسنكون من أشد الرافضين لأي نهج قمعي، ومعنا كثيرون من الزملاء، ومنهم أعضاء في مجلس النقابة نفسه». ويضيف صاغية، المعروف عنه متابعته للقضايا الاجتماعية ذات الطابع القانوني، إن «حرية التعبير جزء أساسي من عمل المحامي، ومن دون ذلك لا يمكننا أن نمارس عملنا، فنحن بطبيعة عملنا نتوجه دائماً إلى الرأي العام، وسأدافع عن نفسي حتى النهاية في هذا الموضوع. واليوم أدعو الزملاء المحامين إلى التصويت في انتخابات النقابة المقبلة من منطلق حماية الحريات وصيانتها». واستغرب صاغية استفاقة النقابة على محاسبة المحامين بسبب أمور لا يحق لأحد أن يحاسب عليها، فيما «لا تقف مع أبنائها عندما يتعرضون لمضايقات من جهات أخرى، فمثلاً، قبل نحو سنة ونصف سحب جهاز الأمن العام جواز سفري مني، وتم التضييق عليّ كثيراً بسبب دعاوى قضائية بيننا، ويومها أبلغت نقابتي بالأمر ولكن، للأسف، لم تقف إلى جانبي لتحميني، بل على العكس، ها هي اليوم تريد أن تحاسبني، ولذا أجد نفسي مضطراً للتوجه إلى الرأي العام مجدداً لكشف ما يحصل، بهدف حماية النقابة ومبادئ الحريات التي قامت عليها، قبل حماية نفسي».
يُذكر أن إشكالية علاقة المحامين مع وسائل الإعلام ليست، بالأصل، صنيعة نقيبة المحامين الحالية، إذ إن ثمة نصوصاً في قانوني تنظيم مهنة المحاماة وآدابها تنظّم هذه العلاقة وتضبطها، ولكن هي، بحسب كثير من المحامين، تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وخصوصاً أن فيها إبهاماً. وكبار أبناء المهنة يعرفون بأن كل نقيب تولى الرئاسة كان يصدر تعميماً يُذكّر فيه بالالتزام بتلك النصوص. لكن بعض المحامين والحقوقيين وجدوا في المشكلة الأخيرة مناسبة لإثارة الموضوع من أصله، بهدف التصويب والتعديل.
كذلك، تلقّف بعض المرشحين الى انتخابات النقابة موضوع حرية المحامي ليحوّله عنواناً لمعركته الانتخابية، علماً بأن المنافسة على موقع النقيب في الانتخابات المقبلة باتت محصورة بين ثلاثة مرشحين، هم: أنطونيو الهاشم، نبيل طوبيا ونهاد جبر.
وقد شدد الهاشم على أنه في حال فوزه في انتخابات النقابة فإن «حرية التعبير للمحامين ستكون على رأس القضايا التي يجب أن أعالجها، حتى ولو من خلال تعديل القوانين، إذ لا قانون منزلاً من السماء، ولا يمكن منع المحامي من ممارسة حريته في الرأي والتعبير، لأن مبدأ حصانة المحامي المنصوص عليه قانوناً لم يكن إلا لحماية حريته». ولفت الهاشم الى أنه يفهم محاسبة المحامي «الذي يُجرّح بالقضاة في دعاوى يتابعها، لأن هذا خطأ ونحن لا نقبل بتجاوز القوانين هنا، ولكن أن يقال إن تناول القضايا العامة ممنوع فهذا أمر مرفوض، وشخصياً لم أجد أن ما نشر في المفكرة القانونية أمر يستدعي المحاسبة».
وفيما قال المرشح طوبيا إنه لم يتسنّ له الاطلاع على الموضوع بعد، وبالتالي «لا يمكنني إبداء رأي في هذه المسألة»، رأى المرشح جبر أن المسألة «أعطيت أكثر من حجمها، إذ لا وجود لشكوى بحق المحاميين المذكورين ولا ملاحقة، إنما جرى الاتصال بهما للاستفهام فقط». ولفت إلى أن النقيبة حداد «أصدرت التعميم نفسه الذي أصدره كل النقباء السابقون قبلها، ومنهم وزير العدل الحالي الذي أصدر تعميماً مماثلاً عندما كان نقيباً عام 1995». وشدد على أنه ضد المس بحرية المحامين، لكنه رأى أن «تكبير المسألة يشير ربما إلى وجود أحد وراء ذلك».
يُذكر أن الوزير شكيب قرطباوي، الذي كان نقيباً للمحامين، أصدر في ولايته تعميماً يمنع بموجبه المحامين من التحدث في الإعلام عن قضايا توكلوا فيها فقط، وذلك بعدما كان تلفزيون لبنان قد باشر، آنذاك، عرض برنامج تلفزيوني يظهر فيه محامون يتحدثون عن قضاياهم الخاصة وإنجازاتهم بطريقة إعلانية، فجرى وضع حد لذلك، لأن القانون يمنع على المحامي أي دعاية ترويجية. وأكد أحد المقربين من وزير العدل أنه لم يكن ضد إبداء المحامين آراءهم في القضايا العامة، القانونية منها والاجتماعية بل حتى السياسية، ولذلك أطلق عليه آنذاك لقب «نقيب الحريات».
«مشكلة» النقابة مع المحاميين صاغية وداوود ينبغي أن تمثّل، بحسب بعض أهل القانون، فرصة لتثبيث ما يفترض أنه من ثوابت النقابة ومبادئها، والتي لا تقف عند اسم نقيب أو محام، ويرى هؤلاء أنه يفترض بمجلس النقابة الذي ستفرزه الانتخابات المقبلة معالجة هذه المشكلة المزمنة من جذورها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك