لم يعد من الصعب قول الامور بأسمائها. والصورة باتت أكثر من واضحة. في السياسة، للمسيحييين بطريركان. ولن يكون بالامكان تجاوز دلالات السبت العظيم بسهولة. بطريركان. واحد يتابع، من أرض المقاومة، التأسيس لنهج انفتاحي جديد لبكركي في العلاقة مع الاخر. وثانٍ، من كسروان، يكرّس "ثنائيّة" المرجعيّة لدى الموارنة، فللقوات بطريرك واحد هو الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
تكشف أوساط متابعة أنّه ككلّ عام تسعى قيادة "القوات" لتقديم مشهد متمايز في الصورة والمضمون في ذكرى شهدائها. هي المناسبة الاكثر التصاقاً بوجدان القواتيّين، وبعد خروج سمير جعجع من زنزانة وزارة الدفاع تربّعت هذه المناسبة على عرش الاستحقاقات التي تحاول معراب من خلالها تعزيز ثقلها السياسي والحزبي في عمق الشارع المسيحي، ليس فقط بالتوجّه الى محازبيها بل تحديداً الى اولئك الذين لا يجدون أنفسهم في خطاب الرابية. المواقف الاخيرة للبطريرك المنتخب بشارة الراعي فرضت تعديلاً أساسيّاً على مسار الاحتفال. من الناحية اللوجستيّة كانت الترتيبات واضحة ومحدّدة، أمّا في المضمون فقد أرادت معراب أن يأخذ قدّاس شهداء القوات هذا العام طابعاً استثنائيّاً. لكم "بطريرككم ولنا بطريركنا". هكذا تحّول القداس بفعل "التسونامي" الذي أحدثه الراعي في مواقفه المعلنة من سلاح "حزب الله" والوضع في سوريا الى قداس احتفالي تحت عنوانين: تكريم مسيرة البطريرك نصرالله صفير الطويلة والمضنية في معركة الحريّة والسيادة والاستقلال، وتوجيه رسالة الى من يعنيه الأمر بأنّ "المرشد الروحي والسياسي" أقلّه، لنصف الشارع المسيحي، هو صفير وليس البطريرك الراعي.
ويوم السبت أمكن رصد التمايز البطريركي الثنائي. ابن المتين يجول جنوباً على الشريط الحدودي ليس فقط المسيحي، إنّما على طول حدود "الشريط المقاوم"، محاطاً برعاية ومواكبة استثنائيّة من "حزب الله". مع العلم أنّ المعلومات تفيد أنّ التنسيق بين قيادة الحزب وقيادة الجيش اللبناني ترجم القرار المتخذ بتأمين اجراءات أمنيّة أكثر من استثنائيّة وصلت الى حدّ الاستنفار غير المعلن. وفي جونية يجمع ابن ريفون المكرّم حوله حلفاء المشروع الاستقلالي في نصاب مكتمل تقريباً لقيادات "تيّار المستقبل" الى جانب القيادات المسيحيّة لقوى الرابع عشر من آذار وفي مقدّمهم الرئيس أمين الجميّل ونجله سامي والنائب نديم الجميّل.
كانت كلمة واحدة من الكاردينال صفير كافية لكي يؤدّي قداس القوات هذا العام مهمّته. باستثناء ترؤسه الذبيحة الالهيّة لم يكن مقرّراً أن يلقي صفير العظة بحضور ممثل البطريرك المطران رولان ابو جودة. جملة واحدة أمام الميكروفون تفي بالغرض. تحدّث عن "الزمن البائس". كلمتان اثلجتا قلب رئيس حزب القوات ورسمت على وجهه ضحكة المنتصر. برأي أحد المشاركين في القداس "هو فعلاً زمن بائس عندما تشرّع بكركي استمراريّة سلاح خارج عن الدولة، وتستجدي الحماية من الديكتاتوريّات!". بالمحصّلة، ظهر من بين القواتيّين بعد قدّاس السبت، من يؤكد أنّ الرسالة غير موجهة الى البطريرك الراعي، لكنّ الجزء الاهم من هذا التأكيد هو الاهم. في صفوف قوى الرابع عشر من آذار، والقوات تحديداً، من يجزم بأنّ الراعي يدير أذنه الى من يحاول زجّ البطريركيّة في حسابات خاطئة ومعارك خاسرة. ولهؤلا يقولون "الثورات في العالم العربي لن تقف عند بوّابة دمشق".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك