في الضاحية الجنوبية، في منطقة حارة حريك تحديداً، أحياء تقع ضمن الأراضي اللبنانية. في هذه الأحياء، آلاف السكان الذين لا يصلهم نور الكهرباء، أحياناً، لأربعة أيام متتالية. في هذه الأحياء أيضاً، الفقر ضارب السكان. وفي هذه الأحياء أيضاً كلفة الاشتراك في مولد الكهرباء تصل إلى 100 دولار شهرياً للحصول على 5 أمبير لا أكثر. في طرابلس، عكار، الهرمل وعدد من مناطق الجنوب، الحال هي نفسها. لا كهرباء للمواطنين إلا إذا كان بمقدورهم دفع كلفة الاشتراك. كلفة الاشتراك غير منطقية. تفرضها جهات غير شرعية. تستخدم أعمدة الكهرباء الرسمية. والتشبيح: على عينك يا تاجر.
«الأخبار» سألت عدداً من أصحاب المولدات في عدد من المناطق عن أسعارهم. الشهر هو نفسه «آب». الفارق بين موزع وآخر مذهل. السعر يتفاوت بين منطقة وأخرى، من 50 دولاراً إلى 120 دولاراً. لا بل إن السعر يتفاوت بين موزع وآخر في الحي نفسه، وحين نتحدث عن تفاوت، فهو يصل إلى 50 ألف ليرة أحياناً. وفي حين أن بعض الموزعين يرون أن الكهرباء «فصول»، بحيث ترتفع الاشتراكات في الصيف والشتاء، فإن البعض الآخر لا يعترف بـ«مميزات لبنان الأخضر»؛ فالسعر يرتفع لديهم ربيعاً وخريفاً، صيفاً وشتاءً. المواطنون غير قادرين على التمرد؛ فالجواب الذي يباغتهم من أصحاب المولدات موحّد: أوقفوا اشتراككم. وبما أن الكهرباء لن تصل إلى 24/24 إلا بعد سنوات، فالجميع ملزمون بالخضوع بصمت لاستغلال أزمة الكهرباء المستمرة.
فلنتعرف إلى الضريبة غير المشروعة التي يدفعها اللبنانيون لشركات غير مشروعة أمام أعين الدولة.
تسعيرة الدولة: «لسّه فاكر؟»
في 4 أيلول من عام 2010، أي منذ عام من الآن، أصبحت قضية اشتراكات مولدات الكهرباء مرهقة للمواطنين فعلاً. حينها، كان سعر الـ5 أمبير لـ236 ساعة شهرياً بين 50 و55 دولاراً بحسب المناطق. وفي يوم 4 أيلول، عقد وزير الطاقة والمياه جبران باسيل اجتماعاً موسعاً مع أصحاب «الموتورات» في وزارة الطاقة. أعلن باسيل أن شركات توزيع الكهرباء مخالفة للقانون، ولكنها في الوقت نفسه واقع لا مهرب منه في ظل التقنين السائد في جميع المناطق. وكانت وزارة الطاقة قد أعدّت دراسة، بنتيجتها، دعا باسيل أصحاب المولدات إلى بيع الـ5 أمبير لـ236 ساعة شهرياً بـ35 دولاراً. أصحاب المولدات رفضوا، وتمسكوا بسعر الـ50 دولاراً. فضّ الاجتماع «على زعل»، وعادت الفوضى إلى القطاع.
في الأشرفية، التي تدخل ضمن بيروت الإدارية، تنقطع الكهرباء 3 ساعات. ورغم منع الدولة لشركات توزيع الاشتراكات في هذه المنطقة، إلا أن أحد أصحاب محال التوزيع، الموجود والمعروف من الجميع، يوزع الاشتراكات: تنقطع الكهرباء 3 ساعات، يقول أحد العاملين في المحل. سعر الاشتراك الشهري لـ5 أمبير 30 دولاراً شهرياً. 30 دولاراً لـ3 ساعات يومياً. في آب كان السعر 25 دولاراً، ارتفع في أيلول «بسبب غلاء المازوت» (علماً بأن سعر الصفيحة ارتفع 500 ليرة فقط). في تشرين الأول سيرتفع السعر إلى 35 دولاراً. السبب: المازوت!
أمل التي تسكن في الأشرفية منذ سنوات «ضاق خلقها» من صاحب الموتور. «يرفع السعر كل شهر، ويهددنا في كل مرة: إذا ما بدكن بلاه هالاشتراك».
التهديد نفسه موجود في منطقة جعيتا؛ فرغم بعد المسافة بينها وبين الأشرفية، إلا أن المفردات المستخدمة لتذكير المواطنين بأنهم رهائن «الموتور» لا تتغيّر.
تقول رنا إنها تدفع 100 دولار شهرياً لصاحب «الموتور». لا تبذل رنا جهداً كبيراً لتذكّر أسعار الصيف الماضي: «في صيف 2010 كنا ندفع 75 دولاراً في تموز، وارتفع السعر تدريجاً ليصبح 80 دولاراً في آب». ورغم أن ساعات التقنين لم تتغير بين الصيفين (12 ساعة يومياً)، إلا أن الصيفية بدأت بـ85 دولاراً شهرياً، لترتفع إلى 90 دولاراً في آب، ووصلت إلى 100 دولار في أيلول. تستغرب رنا هذا السعر؛ «فمعدل الرواتب في المنطقة زهيد جداً، وقلة قليلة من الناس تتقاضى 1500 دولار شهرياً. هنا الناس يشحذون الكهرباء». وتقول: «أدفع 40 ألف شهرياً فاتورة الكهرباء للدولة، و100 دولار لصاحب المولد، الله ما قالها».
تفاوت في المنطقة نفسها
وإن كان التفاوت في السعر بين جعيتا والأشرفية يمكن أن يكون مرده، «لا نعلم صراحة»، فإن التفاوت في السعر بين موزع وآخر في المنطقة نفسها لأمر غريب عجيب! ليس من الصعب اكتشاف هذه «الظاهرة»؛ فكل موزّع «يدز» على زميله.
يقول أحد أصحاب المولدات في حارة حريك إنه يتقاضى 50 دولاراً على الـ5 أمبير في الأشهر العادية، إلا أن فصل الصيف يكون «فصل الذروة في ساعات التقنين». فهنا يمكن قلب المعادلة، ويكون السؤال: «كم ساعة بتجي الكهربا؟»، لا «كم ساعة بتنقطع». يشرح أنه خلال أيلول وصل سعر الاشتراك الشهري إلى 120 ألف ليرة، وكان في آب 110 آلاف ليرة، وقبله 100 ألف ليرة... إلا أن السعر سينخفض الشهر المقبل بسبب تراجع ساعات التقنين. يشرح الموزع أن زميله في المنطقة نفسها يتقاضى في كل الأشهر التسعيرة ذاتها، وهي 100 دولار. يرى أن زميله يستغل الناس. ولكن ألا يرى سعر الـ120 ألف ليرة استغلالاً أيضاً؟ الجواب: «كلا، فلبنان كله مافيات. ونحن نتعاطى مع مافيات المازوت. إنهم يرفعون الأسعار، نحن نخضع لمزاجيتهم».
قرب حارة حريك تقع منطقة البرج، 5 دقائق في السيارة تفصل بين المنطقتين، ولكن الفارق في سعر الاشتراك 20 ألف ليرة!
يتحدث أحد أصحاب محال توزيع اشتراكات «الموتور» قائلاً: «في آب كان السعر 100 ألف ليرة، وكذلك في أيلول. ومن الممكن أن نخفض السعر الشهر المقبل». قبل سؤاله عن سعره الغريب في منطقة شعبية سكانها بمعظمهم فقراء، يبادر بالقول: «نحنا أرخص شي، صاحب المحل المجاور يتقاضى 140 ألف ليرة، وأحياناً يصل السعر إلى 100 دولار، رغم أن ساعات التقنين هي نفسها: 16 ساعة».
إلى سد البوشرية در. يقول موزع الكهرباء هناك إن سعر الاشتراك «فصول»؛ فهو يرتفع في الصيف والشتاء، وينخفض في الربيع والخريف. ففي شهر آب سعر الاشتراك 100 دولار، كان في تموز 75 دولاراً، السبب بحسبه، ارتفاع ساعات التقنين ساعتين يومياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك