بمبادرة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عقدت في دار الفتوى القمة الروحية الإسلامية المسيحية اجتماعا استهلت بكلمة لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الذي أكد أننا في لبنان نتعاهد اليوم معا مسلمين ومسيحيين على الأمن والأمان لبعضنا، عهد الأخ لأخيه، وإننا لنعلم يقينا بأن المسيحيين في لبنان هم دائما على هذا العهد مع إخوانهم المسلمين في لبنان، وكذلك المسلمون هم على هذا العهد أيضا مع إخوانهم المسيحيين، فلا اقتتال ولا ضرر ولا ضرار ولا إضرار بينهم، وهم بوحدتهم يحافظون على أنفسهم ووطنهم وأرزاقهم ووجودهم ومستقبلهم، ولا خوف على أحد من أحد، لا في لبنان ولا في المنطقة العربية كلها. فنحن اليوم جميعا على هذا العهد التاريخي بيننا، وعلينا أن نتسارع جميعا لنؤكد هذا العهد بيننا ومع بعضنا، في لبنان وفي المنطقة العربية كلها، لنحفظ بعضنا وأنفسنا وأوطاننا وأبناءنا، ونبدد الهواجس بيننا".
واعتبر ان هذا الاجتماع اليوم في دار الفتوى ليس اجتماعا عاديا في ظروف عادية، بل هو اجتماع استثنائي وتاريخي، في ظروف استثنائية وتاريخية، ودار الفتوى في الجمهورية اللبنانية هي دارنا جميعا، كما لبنان هو وطننا جميعا، أرحب بكم مجددا أصحاب الغبطة والسماحة، وشكرا لجميع وسائل الإعلام الحاملة للأمانة والرسالة الوطنية في وطننا لبنان".
بعد الكلمة الافتتاحية لمفتي الجمهورية توالى على الكلام اغلبية رؤساء الطوائف، وحضر القمة بالإضافة إلى مفتي الجمهورية، البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، متروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة، بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، اضافة إلى عدد من البطاركة والمطارنة والشخصيات الروحية الاسلامية والمسيحية.
وفي الختام تلا الامين العام للقمة الروحية الاسلامية المسيحية محمد السماك البيان المؤلف من 7 بنود:
فاشار إلى أن البطريرك الراعي أطلع المجتمعين على نتائج زيارته إلى فرنسا، وما دار فيها من أحاديث بشأن أوضاع لبنان والمسيحيين فيه وفي المشرق العربي، وما يدور في المنطقة من أحداث، وأهمية تعزيز العلاقات الإسلامية المسيحية في لبنان والعالم العربي.
وبعد التداول في هذه القضايا ، ارتأى المجتمعون انطلاقاً من مسؤولياتهم الروحية والوطنية التأكيد على المبادئ والثوابت التالية :
أولاً : متانة العيش الوطني، والتفاعل التاريخي والحاضر في المنطقة العربية بين المسلمين والمسيحيين، استناداً لانتمائهم العربي، هويةً وثقافةً، ولتجربتهم العريقة والغنية، وللتحديات المشتركة والمصير الواحد، والتأكيد على ان وجود المسيحيين وهذا الشرق هو وجود تاريخي واصيل وان دورهم اساسي وضروري في اوطانهم .
ثانياً : استقرار لبنان ، الوطن النهائي لجميع بنيه ، على ثوابت العيش المشترك ومرجعية وسيادة الدولة والدستور ، والتوافق على المصالح الوطنية والقومية الكبرى ضمن القواعد التي أرستها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف وعلى أساس المشاركة في إدارة الشأن العام ، واحترام مبدأ المناصفة، إن وحدتنا الداخلية تدعونا للوقوف سداً منيعاً بوجه كل المحاولات لخارجية التي تستهدف زعزعتها وزرع الفتنة فيما بيننا.
ثالثاً :احترام كرامة الإنسان وحرياته الأساسية ومن ضمنها الحريات الفردية والدينية والسياسية وحرية التعبير ، واعتبار التنوع غنىً وإثراءً لإنسانية الإنسان ، واعتبار المواطنة أساساً في تحديد الحقوق والواجبات ، وفقاً للمبادئ الدستورية والقانونية والشرائع الدولية وفي مقدمتها شرعة حقوق الإنسان.
رابعاً : لبنان جزء من العالم العربي هويةً وثقافةً ومصيراً . وقد كان اللبنانيون رواداً في نشر ثقافة النهوض والاستنارة في هذا الشرق . وعلى مُثُل العيش المشترك والتنوع والحرية والمواطنة وحكم القانون حاولوا بناء نظامهم السياسي والديمقراطي، فتفاوت نجاحهم في ذلك ، إنما ما وهنت عزائمهم في البقاء على الثوابت الإنسانية والوطنية ، وفي صون تجربتهم الرسالية وتطويرها . والأمل اليوم وغداً باقٍ في تقري ثقافة المواطنة لدى شباب لبنان ومحبة الوطن ومعرفة تراثه والالتزام برسالته ودوره في العالم العربي والعالم.
خامساً : إن الحراك الجاري في البلدان العربية المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية ، يتيح فرصاً يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك ومنعه من الانزلاق إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سبباً في إثارة الهواجس والمخاوف . والمطلوب من الجميع الحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد ، والحرص في الوقت ذاته على أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها ، وصون المصالح الوطنية والقومية . مع التأكيد على رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد .
سادساً : إن لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك واحترام الحريات ، يبقى ويستمر بوحدة أبنائه وبإيمانهم به وبرسالته ، وبتضامنهم في مواجهة محاولات إثارة الفتن وباعتماد الحوار الهادئ والمباشر والصريح أساساً لحل المسائل الخلافية بعيداً عن التخاطب الاتهامي في وسائل الإعلام.. ويشكل التزام اللبنانيين ببناء الدولة ومؤسساتها الدستورية الضامن لهم جميعاً .
سابعاً : إن لبنان القوي بوحدته الوطنية وبتضامن أشقائه العرب وباحترام المجتمع الدولي ، يلتزم برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين شكلاً وأساساً ، ويتمسك بحقهم في العودة إلى أرضهم الى ارضهم ووطنهم عملا بقرار مجلس الامن الدولي رقم 194. ويعتبر العمل على تحرير بقية الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة وتحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية مما تتعرض له من انتهاك واعتداء ، واجباً وطنياً وعربياً جامعاً وبحكم قرارات الشرعية الدولية. وهو يهيب بالأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
وفي هذا اللقاء الأخوي الذي ساده الودّ ، وانتصرت فيه اعتبارات الصراحة والمصالح اللبنانية والعربية الكبرى ، اتفق أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة على الاستمرار في التشاور ، في شتى الظروف والأحوال ، وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية . وهم يهيبون بمواطنيهم وإخوانهم العرب أن يبقوا على الالتزام بالأسس الأخلاقية الصلبة للقيم الدينية المسيحية والإسلامية ، وأن يصونوا عيشهم المشترك والتاريخي في هذه المرحلة الفاصلة والحساسة التي تمر بها مجتمعاتهم العربية ، ويمر بها العالم المعاصر.
وأقام مفتي الجمهورية مأدبة غداء تكريمية في معهد تفهم الإسلام في دار الفتوى على شرف رؤساء الطوائف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك