اشار رئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل الى انه يتفهّم "دوافع تمسّك قوى 14 آذار بأن يكون البطريرك بطريركها".
ولاحظ أن موقفاً كهذا هو في الظاهر مشروع "عندما يسعى كل فريق إلى أن تكون كل المواقع الرسمية والدينية والسياسية إلى جانب خياراته. لكن الواقع هو غير ذلك تماماً. لم يكن البطريرك صفير بطريرك 14 آذار، ولا البطريرك الراعي هو بطريرك 8 آذار".
ولفت في حديث لصحيفة "الاخبار" الى أنه "عندما وضع البطريرك صفير نداء عام 2000، لم تكن قوى 14 آذار قد وُلدت، ولا من قبلها اجتماعات البريستول، ولا كل ما سبق هذا الفريق أو تلاه. طرح حينذاك مبادئ لا يسع أحداً أياً يكن نكرانها أو الاعتراض عليها كسيادة لبنان وكرامة المواطن. بدوره نداء 2011 أتى في غمرة تطورات وظروف مغايرة، وبعد أحداث مهمة كانت قد وقعت كانسحاب الجيش السوري من لبنان وإنشاء المحكمة الدولية وإجراء انتخابات نيابية عبّرت عن تطلعات اللبنانيين. تالياً، إن ظروف نداء 2011 غيرها ظروف نداء 2000. لذلك، كنت قد طالبت مراراً بمقاربة حركة وطنية جديدة حبّذا لو تقودها الكنيسة على غرار تجربة عام 2000 لانتشال لبنان من مستنقعه".
واشار الى ان "نقل البطريرك صفير لبنان من ضفة إلى أخرى، من الهيمنة إلى السيادة والتحرّر. والمطلوب اليوم من البطريرك الراعي استكمال هذا الانتقال من ضفة القلق الذي يعبّر عنه ونخشاه مثله على المصير والأمن والجوار وموقع لبنان في المنطقة، وكذلك مسيحيو الشرق، إلى ضفة الطمأنينة والاستقرار".
وأوضح أنه لم يلاحظ "تعارضاً بين النداءين. في بكركي ثوابت لا تحيد عنها الكنيسة المارونية على الإطلاق. أما أن تكون لكل بطريرك قراءة خاصة به، أو أفكار، أو مبادرات، فذلك يدخل في حقه الإنساني الذي لا جدال فيه. إذا وقع اختلاف في الرؤية مع البطريرك، فإن من أبسط القواعد، ولا سيما منها ما يتعلق بالقيادات السياسية المسؤولة، مصارحته والتحاور معه بعيداً من الضوضاء الإعلامية والتشنّج وإقحام البلد في سجالات لا تفيد أحداً".
واشار الى أنه الجميّل لا يرى أن القلق الذي أبداه الراعي حيال مصير المسيحيين اللبنانيين ومصير مسيحيي الشرق يتناقض مع الثوابت التاريخية لبكركي؛ "لأن الكنيسة المارونية متحسّسة أكثر من سواها الواقع الصعب لكل الأقليات في الشرق، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولن ندخل هنا في التفاصيل. انحسار عدد مسيحيي الشرق واقع لا مناص من الاعتراف به، والعمل على مواجهته والحدّ منه. بدأ منذ تهجير المسيحيين من القدس وانتقل إلى باقي فلسطين، ثم إلى بلدان عربية أخرى. إذاً، قلق البطريرك في محله. كذلك فإن التجربة التي مرّ فيها المسيحيون اللبنانيون في السنوات الأخيرة لا يمكن الاستهانة بها ولم تكن سهلة، ولا نزال نذكر التنكيل المباشر الذي لحق بالقادة المسيحيين وعانوا منه بألم ومرارة. عبّرت بكركي عن هذا القلق على نحو مماثل لما أثاره عن تداعياته مسؤولون روحيون وسياسيون آخرون".
واكد ان السبيل إلى معالجته "ليس بالسجالات العلنية، بل بخطة واعية وهادئة تتناول الآتي: نهضة داخلية للأفرقاء المعنيين، سياسة رسمية في الدول العربية تعمل على استيعاب التعددية وتجعل منها عنصر إغناء، لا تنافر، إشراك الفاعليات والمؤسسات الفكرية والأكاديمية والإعلامية في حركة وطنية شاملة تعمل على تعزيز القيم والمبادئ وبلورتها، بما يؤدي إلى نشوء مفهوم جديد للإنسان العربي الجديد يتجاوز الحقد والطائفية والمذهبية والفئوية، ويخلق المواطن العربي الذي يحترم تعدّد الأديان والثقافات، وضع وثيقة تاريخية تكوّن الإطار الصحيح لحركة الثورات في العالم العربي، وتفاعلها مع الأنظمة من أجل تطورها في اتجاه الحداثة والحضارة، وخشية أن تؤدي هذه الثورات ذات الأهداف السامية إلى فوضى ومزيد من الاقتتال والتطرّف. ولا يقتصر ذلك على سوريا فقط. كنت قد تحدّثت عن هذه الوثيقة عشية سفر الأمين العام للجامعة العربية إلى سوريا".
ورداً على سؤال عما اذا كان يرى في موقفي الراعي من سلاح حزب الله وسوريا خروجاً على الثوابت التاريخية لبكركي، لفت الى أن "موقفي من العلاقة مع سوريا وسلاح حزب الله ثابت ومعلن، ويعبّر عن اقتناع بأن مصلحة لبنان تكمن أولاً في تصحيح العلاقة مع سوريا، وثانياً في اختزال الدولة اللبنانية بقواتها الشرعية الأمن والدفاع. أما كلام البطريرك عن هذين الموقفين، فلا أرى أنه يتعدّى التحليل العام. بل إن نداء مجلس المطارنة الموارنة قبل أيام أكد ثوابت بكركي ولم يخرج عنها البتة".
ولفت الى انه ينظر إلى الجدل الذي أحاط بمواقف البطريرك كجزء لا يتجزأ من مأزق وطني عام: "الجميع اليوم في مأزق. الحكومة في مأزق المحكمة الدولية. والمسيحيون في مأزق الموقف من بكركي. لبنان بأسره في مأزق تطوير النظام وتفاعله مع الثورات العربية. الموقف الرسمي اللبناني ليس واحداً حيال ما يجري في سوريا وإيران، رغم أن الخلفية واحدة. المؤسسات اللبنانية تعيش اهتراء لم يمر به البلد منذ الاستقلال. وكل المعالجات ــــ إذا كان ثمّة معالجات ــــ تنطبق عليها سياسة النعامة عندما تدفن رأسها في الرمال، فيما الشعب يدفع الثمن بقلقه على مستقبل الوطن وأمنه ولقمة عيشه. يتلهى السياسيون بالقشور، ويكذب بعضهم على البعض الآخر، وينتهج منطق الهروب إلى الأمام للتغطية والتعمية على جهلهم أو تواطؤهم أو تهرّبهم من مواجهة الواقع والواجب والمسؤولية. هذا هو وضعنا في الوقت الحاضر. أين بكركي من ذلك كله؟ أولاً أين رئيس الجمهورية كموقع وطني ورمزية لبنانية يقتضي أن تكون جامعة. أنا طرحت على رئيس الجمهورية الحضور شخصياً إلى مجلس النواب وطرح المشكلة كما هي، ووضع القيادات أمام مسؤولياتها، والتقدّم باقتراحات يمكن أن تكون شافية هذه المرة. ربما رأى رئيس الجمهورية أن الوقت لم يحن بعد. لكن هل يحين أوان هذا الوقت بعد خراب البصرة؟".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك