داود رمال
السفير
«خارطة طريق واضحة وطويلة وشاملة ومعبّدة بالأشواك لا بل اشبه بدرب الجلجلة»، اختطها بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة بشارة الراعي، «لا مكان فيها للاصطفاف او للتمحور في الزواريب والحسابات السياسية الضيّقة، لأن الأساس هو حفظ الوجود والدور وحماية المكتسبات وصون لرسالة».
ربما يكون هذا التوصيف فيه شيء من المبالغة بالنسبة الى البعض لكن المواكبين لحركة الراعي منذ اعتلائه السدة البطريركية، يعتبرونه توصيفا واقعيا، ذلك أن الرجل «فتح كل الابواب التي اوصدت في السابق بإرادة كنسية او اوصدها الآخرون».
ويقول المصدر المواكب إنه «انطلاقا من حرص البطريرك الراعي على مقام رئاسة الجمهورية، فانه يستبق كل مناسبة او زيارة رسمية أو رعوية الى الخارج بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتبادل وجهات النظر معه في المستجدات، وذلك في اطار العلاقة الوطيدة التي تربطهما والمبنية على ثقة راسخة وتقارب في الافكار والتوجهات».
من هنا كانت زيارة الراعي بالأمس الى القصر الجمهوري، يرافقه المطران بولس الصياح والمطران كميل زيدان والاب انطوان خليفة، عشية زيارته الرعوية الى الولايات المتحدة الاميركية حيث سيطول غيابه لأكثر من شهر وسيكون له بعدها محطة في حاضرة الفاتيكان، قبل عودته الى لبنان «وفي ذلك اشارة كبيرة لحجم التنسيق القائم بين الراعي وبين المرجعية الفاتيكانية الحاضنة على صعيد التوجهات والخيارات التي ينتهجها».
ويضيف المصدر «ان الراعي وضع سليمان في صورة برنامج جولته في اميركا والتي سيلتقي خلالها ابناء الجالية اللبنانية، كما كانت مناسبة لوضع رئيس الجمهورية في نتائج جولاته على المناطق اللبنانية والتي سيستكملها بزيارة المناطق التي لم يزرها بعد، اضافة الى سعيه لعقد قمة روحية على صعيد الشرق الاوسط، واصراره على بث الامل في كل رعية تتبع له في المنطقة عبر اشعارها برعايته واهتمامه من خلال التوجه المباشر اليها».
ويؤكد المصدر «ان رئيس الجمهورية والبطريرك الراعي متفقان على وجود مخاطر اربعة يعبر عنها البطريرك في مواقفه الخارجية والداخلية وهي الآتية: الخطر على مسيحيي الشرق، الخطر من مخطط لتقسيم الشرق الاوسط الى دويلات مذهبية متناحرة، الخطر الاسرائيلي المتمثل بالاعتداءات المتكررة والاطماع التاريخية، والخطر الناجم عن مشاريع التوطين للاجئين الفلسطينيين في لبنان وهذا ما يتناقض وروحية ونص الدستور اللبناني، وهذه العناوين هي محل اجماع وطني وليس هناك من لبناني بإمكانه التقليل من حجم هذه المخاطر وانعكاساتها على لبنان وفي قلبه المسيحيين».
وفي قراءته لمواقف الراعي، يوضح المصدر المواكب الذي تربطه صلة وثيقة بالفاتيكان «ان البطريرك هو رجل دين وليس سياسي تقليدي، وليس مطلوبا منه ان يجيد التعبير عن المواضيع ذات البعد الخطير وعن الهواجس بأسلوب دبلوماسي، علما انه سيد في اللياقة والدبلوماسية، ولكن كونه راع ومسؤول عن رعيّته وهو يتبوأ موقعا وطنيا كبيرا، فانه يرى من واجبه طرح الامور كما هي وقول الحقائق بلا تجميل وتورية، لذلك نراه يقول كلمته كما هي، وهذا يفترض ان يكون مصدر ارتياح الجميع لان المرجعية التي يقابلونها ويتحاورون معها واضحة وصريحة لا تخفي شيئا لتقول آخر».
ويشير المصدر الى ان «الراعي مقتنع بان ما اصاب المسيحيين في العراق سيصيبهم في سوريا، وهو لن يتوقف عند غضب هذا الزعيم الدولي او ذاك حتى لو كان نيكولا ساركوزي او باراك اوباما، علما ان الاقليات المشرقية تسعى دائما لعدم اغضاب فرنسا واميركا، ولكن بالحقيقة هذا ما حصل، الا ان هذا (الزعل) في ظل الظروف الراهنة ربما يكون مفيدا من حيث التوقيت لأنه سيدفع المعنيين لإثبات عدم صحة الهواجس والمخاوف التي يطرحها الراعي وفي ذلك مكسب كبير للمسيحيين، وهو ايضا لن يألو جهدا في اقناع من يخالفه الرأي بموقفه المبدئي الذي استقاه نتيجة قراءته للتطورات المتسارعة في المنطقة».
ويلفت المصدر الانتباه الى انه «من الظلم الحكم على مواقف رأس الكنيسة كما نحكم على مؤسسة سياسية او زعيم سياسي، ولا بد من عملية ربط تاريخية في مقاربة حقيقة المخاطر، اذ اننا لسنا في القرون الوسطى وايام الصليبيين حين كان الغرب يأخذ في الاعتبار الوجود المسيحي في الشرق، ففي يومنا الحاضر اصبح ثابتا ان المصالح هي التي تحرك التوجهات وخير مثال على ذلك المقاربة التاريخية لما حصل يوم احتل محمد الفاتح القسطنطينية وحوّلها الى اسطنبول فجهّز الروس اسطولا كبيرا وابحروا لتحريرها وكادوا يحققون ذلك الا ان الذي ساعد الاتراك هما الأسطول الانكليزي والأسطول الفرنسي اللذان اغرقا الاسطول الروسي وحالا دون عودة اسطنبول الى قسطنطينية علما انهم مسيحيين الا ان مصلحتهم تقتضي بعدم تمدد النفوذ الروسي. فالغرب في وقتنا الحاضر ليس مهتما بالمسيحيين انما جلّ اهتمامه منظومة مصالحه الكبرى، وهو اذا رأى أن هناك مصلحة له في مصالحة طائفة اسلامية، لضمان مصالحه، لن يضع مصالح المسيحيين في الحسبان، ولذلك لم يعلق الغرب المسيحي على التذكير الاستفزازي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لجهة قوله مؤخرا ان استعادة محمد الفاتح لمدينة اسطنبول انهى عهدا اسود، وهذا ما اثار غضبا شديدا لدى الارثوذكس».
ويضيف المصدر المواكب ان ما يحصل اليوم هو صراع شركات كبرى على منابع النفط ولا يوجد أي اعتبار للضرر الذي قد يتأتى عن ذلك على صعيد الوجود المسيحي المشرقي، وما يحصل في ليبيا خير دليل على هذا النوع من الصراع، فشركة «توتال» الفرنسية تريد المحافظة على استثماراتها لا بل زيادتها وايضا تركيا لديها استثمارات بمليارات الدولارات والامر ذاته ينطبق على بريطانيا وايطاليا، فالكل يريد زيادة حصته في نهب ثروات المنطقة بغض النظر عن شعارات الحرية والديموقراطية».
ويطمئن المصدر الى ان حركة الراعي «تأسيسية لتعزيز روح الوحدة الوطنية والعيش اللبناني الواحد عبر كسر الجليد القائم نتيجة توجهات سابقة مع التمسك بالثوابت التاريخية لبكركي والتي هي في صلب الثوابت اللبنانية، فالأيام المقبلة هي التي ستحكم على صحة الخيارات والمواقف التي انتهجها واطلقها البطريرك الراعي».
ويكشف المصدر عن «نية الراعي القيام بزيارة رعوية تاريخية بامتياز الى العراق في اقرب فرصة ممكنة غير آبه بالمحاذير الامنية القائمة، لان اصراره على هذه الزيارة ينبع من كونها فعل شهادة للحق وتثبيتا لما تبقى من مسيحيين في هذا البلد الذي يسبح في بحر من الدماء والذي لعب فيه المسيحيون دورا حضاريا ونهضويا كبيرا، وسيثّمر هذه الزيارة في التمهيد لإعادة من هجر منهم بفعل الاجرام والارهاب الذي طالهم وهم بمئات الالاف، وربما تكون هذه الزيارة متزامنة مع الذكرى الاليمة للمجزرة الارهابية المتمثلة بالتفجير الارهابي الذي استهدف كنيسة سيدة النجاة في الاول من تشرين الثاني عام 2010، ولتكون بمثابة بلسمة للجراح واعطاء امل لمسيحيي العراق بغد افضل، على ان تأتي هذه الزيارة ايضا وما سيليها في اطار التحضير للقمة الروحية على صعيد الشرق الأوسط».