شارل جبّور
الجمهورية
لم تشكّل عودة الحركة على خط بيروت-دمشق أي مفاجئة سياسية، خصوصا أن لبنان بالنسبة إلى النظام السوري هو "الساحة" المتبقية لبعث الرسائل إلى الداخل السوري والخارجين العربي والدولي، ومن أبرز هذه الرسائل إظهار أن الأمور في دمشق باتت تحت السيطرة وأن "الدنيي بألف خير"، وهذا تحديدا ما أفصح عنه الرئيس سليم الحص، بخلاف الرئيس عمر كرامي الذي اصطحب معه نجله فيصل وأعرب عن "ثقته بقدرة الشعب والقيادة السورية على تجاوز هذه الظروف".
فما يهمّ الأسد هو إعطاء صورة مفادها أن معاودة الاهتمام بالملف اللبناني تعني خروجه من أزمته، وهو بأمس الحاجة لإعطاء هذا الانطباع، في محاولة لإحباط الانتفاضة السورية من جهة، ومواصلة خياره الأمني من جهة أخرى، والتدليل أن لبنان ما زال ورقة بيد سوريا من جهة ثالثة. ولكن مفعول استقبالات الرئيس السوري يبقى ثانويا وهامشيا، ولن يبدل في حقيقة الأمور بأن الانتفاضة السورية مستمرة، وهو أعجز عن وقفها أو كبحها، وما حصل أمس الجمعة حيث تجاوز عدد القتلى أكثر من 30 قتيلا أكبر دليل على ذلك، ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى ما قاله الاعلامي السوري المعارض بسام جعارة من ان "الشعب السوري خرج من كل مدن سوريا وأحيائها وأريافها، من جسر الشغور ودرعا وحمص وحماه واللاذقية وريف دمشق، في رد واضح على الرئيس سليم الحص الذي خرج في بيان بعد لقائه الاسد ليقول ان الوضع في سوريا انتهى، فجاء خروج الناس ردا واضحا على ان الشعب لن يتراجع حتى إسقاط الأسد، وانه لا يعوّل إلّا على نفسه حتى يسقط النظام".
كما أن الاعتداء على السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد أو محاولة ترهيبه لمجرد زيارته المعارض السوري البارز المحامي حسن عبد العظيم في دمشق، تؤكد أن هذا النظام بات لا يحتمل حتى مجرد تحرك أو زيارة للسفير الأميركي، وهذا ما يؤشر بشكل واضح إلى هشاشة وضع النظام وضعفه، والذي وصل به الحد إلى درس طرد السفير فورد من دمشق بسبب تحفظات على لقاءاته مع المعارضين السوريين، وحراكه غير القابل للضبط.
ولكن بمعزل عن وضع النظام السوري الذي دخل في فصله الأخير، بالنسبة إلى كل الأوساط الديبلوماسية الغربية والإقليمية والعربية التي تؤكد أن سقوطه بات حتميّا من هنا إلى ستة أشهر، وأن الأحداث داخل سوريا ستشهد في الأسابيع المقبلة تطورات مهمة على هذا المستوى، تشكل الاستقبالات السورية تحديا واستفزازا لمشاعر السوريين واللبنانيين، وهي تعتبر تدخلا سافرا إلى جانب النظام وضد الشعب السوري، وهذا ما لا يفترض إطلاقا غض النظر عنه، إنما إحراج أصحابه داخل بيئاتهم السياسية والطائفية، لأن هذه الزيارات تضر بصورة لبنان وسمعته ودوره، وتشكل إقحاما وتوريطا له في الأحداث السورية.
ولكن، من الواضح أن هؤلاء الأشخاص الذين يتم استدعاؤهم يضعون كل رهانهم على الأسد، لأن وجودهم السياسي يتعلق حصرا ببقاء النظام السوري أو رحيله، وهي بهذا المعنى زيارات الرهان الأخير، غير أن اللافت أن هذه الاستقبالات ما زالت تقتصر على القيادات السنية في رسالة متعمدة للقول إن أهل السنة إلى جانبه، إلا أن هذه الصورة لا تنطلي على أحد، لأن الحيثية السنية لهؤلاء الأشخاص خجولة كي لا نقول معدومة، كما أن عنوان السنة في لبنان معروف وهو تيار "المستقبل". وما تؤشر إليه هذه الاستقبالات أيضا أن المسألة اللبنانية ما زالت توازي بأهميتها المسألة السورية، كما أنها دليل أزمة سورية وليس العكس، إذ إنّ هذا النظام لم يعد يجد من يلتقيه في هذا العالم سوى بعض القيادات اللبنانية، وما حصل في أعمال الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة شكّل فضيحة على هذا المستوى، لأن وزير الخارجية السوري وليد المعلم لم يلتق سوى وزير الخارجية اللبناني إلى جانب وزيري خارجية دولتين هامشيتين، وبالتالي حتى روسيا لم تعد مستعدة للجلوس مع النظام السوري، لا سيما أن وجهة النظر الروسية لا تختلف عن وجهة النظر الغربية بتوصيفها ما يحصل داخل سوريا، ولكن لهذه الدولة أولوياتها وحساباتها في ظل لعبة التوازنات والأوراق.
تشكل الاستقبالات السورية إساءة كبرى للبنان وسمعته وتاريخه، ولكن انعكاساتها تبقى محصورة، طالما أنها لم تشمل شخصيات رسمية، خصوصا في ظل الحديث عن أن رئيس الحكومة "سيطلع مجلس الوزراء عن رغبته بزيارة قريبة إلى دمشق، يتوقع أن تتم في الأسبوع المقبل"، وبالتالي في حال إتمام ميقاتي هذه الزيارة، سيتحمل مسؤولية ما سترتبه من تداعيات سلبية وسياسية واقتصادية على الشعب اللبناني، في ظلّ الحظر الدولي والعربي على سوريا.