7 أيلول 2011 تاريخ جديد دخل روزنامة اللبنانيّين، وهو اليوم الذي أقرّ فيه مجلس الوزراء في جلسته خطة الكهرباء مقابل مليار و200 مليون دولار تجزّأ على 4 سنوات، يكون بذلك دخل لبنان في إطار المعالجة الفعليّة لأزمة الكهرباء المزمنة.
إلّا انّ أسئلة كثيرة بدأت تطرح بالتزامن مع عملية الإقرار هذه، أبرزها، كيف ستنعكس هذه الخطة على المواطنين؟ وماذا عن مستقبل أصحاب المولّدات؟
مستشار وزير الطاقة والمياه الدكتور خالد نخلة، من جهته، يعتبر انّ "ظاهرة تفشّي المولّدات الخاصة نمت في الآونة الأخيرة كالفطريات نتيجة النقص في إنتاج الطاقة، ولكن من دون أيّ إطار قانونيّ يرعاها، عِلما انّ كهرباء لبنان هي المؤسّسة الوحيدة التي تملك الحقّ القانوني لتوليد الطاقة وتوزيعها".
الاحتكار غير المبرّر
وعلى رغم العجز الكبير الذي تغطيه تلك المولّدات في ظلّ تنامي الحاجة إليها، يعتبر نخلة "انّ لا شيء يبرّر عملية الاحتكار التي يمارسها أصحاب المولّدات والابتزاز في حقّ المواطنين والتحكّم بهم".
وردّا على سؤال على من تقع مسؤوليّة تنظيم هذا القطاع؟ يجيب نخلة: "ليس في إمكان وزارة الطاقة التدخّل، كذلك مصلحة حماية المستهلك أو وزارة المال، لأنّ تلك المحلّات ليست مؤسّسات رسمية. ولكن نظراً إلى انّ المسألة تجاوزت حدودها وبدأت تعود بالضرر على المواطنين، والمصلحة العامّة، وجد الوزير جبران باسيل ان لا مفَرّ من التدخّل". ويقول: "بدأ تحرّك وزارة الطاقة منذ نحو سنة، من خلال تشكيل فريق من الخبراء والمستشارين، وفي مرحلة لاحقة أجرينا اتّصالات مع البلديات، وعقدنا اجتماعات مع أصحاب المولّدات، وفي ضوئها أعددنا دراسة، توصّلنا من خلالها إلى وضع معادلة تأخذ في الاعتبار المصاريف التي يتكبّدها أصحاب المولّدات وكلّ ما يمكن ان يدخل في كلفة تشغيلها، وفي الوقت عينه تركنا هامشا من الربح قيمته 20 في المئة لهم". ويضيف: "إقترحنا ما يسمّى التسعيرة التوجيهية بالنسبة إلى كهرباء الاشتراك، وهي عبارة عن معادلة شهرية تتغير بحسب معدل سعر ليتر المازوت وساعات التقنين، وتمّ إرسال كتاب رسميّ إلى وزارة الداخلية من أجل إبلاغ مختلف البلديات، على أن يتم التزام هذه المعادلة وتطبيقها ضمن نطاق عملها".
وينتقد نخلة تمادي أصحاب المولّدات في عدم الالتزام بالتسعيرة التوجيهية، قائلا: "منذ نحو 10 أيّام طلبنا من وزارة الاقتصاد التعاون معنا في هذا الموضوع، ومحاولة ضبط الفلتان، خصوصا أنّ في الشهرين الأخيرين، "أخذ اصحاب المولّدات راحتهم "وكتّروا". ويضيف: "لا ننكر انّنا لمسنا تجاوبا لدى مصلحة حماية المستهلك، لكن لا بد من توسيع مستوى التعاون كون هذه القضيّة تهمّنا جميعنا".
ولفت إلى أهمّية تعاون المؤسّسات الرسمية والفاعليّات البلدية، وقال: "لا يكفي العمل فقط على مستوى الوزارات للضغط على أصحاب المولّدات كإجبارهم على رفع تمديداتهم عن الاعمدة التابعة لشركة كهرباء لبنان، كما في إمكان المخاتير والبلديات والقائمقامين ملاحقة تجاوزات اصحاب المولدات عن كثب".
بعض التعديلات
وعمّا إذا كان سيتمّ تغيير كلفة التعرفة الرسمية، يجيب نخلة: "بعد ان تؤمّن الدولة الكهرباء 24/24، سنبدأ النظر في التعرفة، وهنا على المواطن البدء بمساعدة الدولة. ووفقا للدراسة التي أعددناها، نجد انّ في ما لو تمّ رفع التعرفة، ستؤدّي أقلّه إلى معادلة صفر على نحو لا تخسر مؤسّسة الكهرباء ولا تربح، ولكن يبقى الرسم أقلّ من الكلفة التي يتكبّدها المواطن تجاه أصحاب المولّدات. وعلى سبيل المثال، كان يدفع نحو 50 ألف ليرة فاتورة الكهرباء، و150 ألفا اشتراك، ما يوازي 200 ألف شهريّا، في حين بعد تطبيق الخطّة قد لا تتخطّى فاتورة المواطن العادي 75 ألف ليرة شهريّا، على نحو يبقى المجموع الذي يدفعه أقلّ من قيمة الفاتورتين اللتين كان يتكبّدهما".
أمّا عن طريقة ضبط عملية الجباية على مستوى كهرباء الاشتراك إلى حين تطبيق خطة الكهرباء، يقول نخلة: "يبقى التزام المعادلة التي أشرنا إليها أفضل حلّ، لذا يستحسن ان تركّب البلديات عدّاداً داخل مبناها كي تتمكّن من أخذ ساعات التغذية الشهرية بالتوازي مع معدل تسعيرة المازوت التي تصدرها الوزارة كلّ أربعاء من كلّ شهر، عندها لن يكون الفارق شاسعا في الجباية بين منطقة وأُخرى". ويضيف: "لا أنكر أنّنا تأخّرنا سنة على إقرار الخطة، وأعطينا مجالا لأصحاب المولدات للتحكّم بالناس، سنة إضافية، لكن آن الوقت للإسراع في وضع حدّ لهذه التجاوزات".
رأي أصحاب المولّدات
على الرغم من انّه يملك مولّدا للكهرباء في محلّة الاشرفية، إلّا انّ ايلي سلامة يتمنّى لو ينعم لبنان بالكهرباء على مدار الساعة، قائلا: "حتى الآن لا تزال بيروت المحظوظة الوحيدة بين مختلف المناطق اللبنانيّة نظرا إلى عدم تجاوز التقنين فيها الثلاث ساعات"، غامزا إلى "انّ الجباية في بيروت منضبطة عموما، في حين انّنا كلّما ابتعدنا عن العاصمة خرجت الامور عن السيطرة، خصوصا في المناطق التي يغيب عنها التيّار نحو 12 ساعة".
يعتبرسلامة انّ "العترة" على أصحاب المولّدات ، فيقول: "قد يرى البعض تسعيرة كلفة كهرباء الاشتراك باهظة، ولكن يغيب عن بال هؤلاء سعر المازوت المتنامي بالاضافة إلى الاعطال الطارئة التي تستجدّ على المولّد والتي تكلّف صاحبها آلاف الدولارات، فهل نسأل بعد عن حجم الأرباح؟". ويلفت إلى صعوبة "رفع التسعيرة في بيروت عن 30 $ للـخمسة أمبير".
ويعتبر سلامة أنّ المئة دولار التي يفرضها أصحاب المولّدات في معظم المناطق اللبنانية مقابل الخمسة "أمبير" قليلة نسبيّا، "حين تنقطع الكهرباء نحو 14 ساعة في اليوم الواحد، لا شكّ في انّ حجم مصروف المازوت سيزيد حكما، إلى جانب الوقت الذي يخصصه صاحب المولّد في خدمة الناس ليلا ونهارا". ويضيف: "لا ننكر وجود "حراميّة" في هذه المصلحة، الذين يتأخّرون في تشغيل مولّداتهم ويسرعون إلى إطفائها، ويعمدون إلى إقفال هواتفهم، ولكن هذا لا يلغي الجانب الإنساني الخدماتي في هذه المهنة".
المولّدات تتراجع!
ولا ينكر سلامة خوف كثير من أصحاب المولّدات على مستقبلهم حيال إقرار خطة الكهرباء، فيقول: "لا شكّ في انّ شيئا من الغموض يكتنف مستقبل المولّدات، وأسئلة كثيرة تطرح، لا سيّما بالنسبة إلى الذين يعتاشون فقط من هذه المهنة. في كلّ الحالات لا أستبعد تراجع دور تلك المولّدات في ما لو استمرّت الدولة ماضية في مشروعها، ولكن حتى الآن لا يمكننا سوى ترداد مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد".
من جهته يستبعد نزار البزّال، وهو صاحب أحد المولّدات في منطقة بعبدا، ان يتحسّن واقع الكهرباء في لبنان، قائلا: "عندما تتوافر الكهرباء على مدار الساعة يكون لكلّ حادث حديث، وفي طبيعة الحال اعتدنا في لبنان على كثرة الكلام وغياب الأفعال، فالمسألة أسهل ممّا يتصوّره البعض، وغالبا ما تكون الامور مرتبطة بكبسة زرّ، وفي إمكان الدولة ان تؤمّن الكهرباء بشتّى الوسائل ولكن القضية أبعد من ذلك، ويبدو انّ هناك منافسة على من سيأخذ دور البطل أمام وسائل الإعلام والرأي العام".
سابع المستحيلات
في السياق عينه، لفت البزّال إلى "انّ حال شركة كهرباء لبنان إذا استمرّت على ما هي عليه، وفي التسعيرة عينها، لن يكون من مصلحة الدولة في توفير الكهرباء على نحو متواصل، لأنّها بالتالي ستزيد من نسبة خسائرها". ويضيف: "أمّا في حال أرادت شركة كهرباء لبنان رفع تسعيرتها للحدّ من حجم الخسائر الذي تتكبّده، فلا أستبعد أن تدخل في صدام مع المواطنين. لذا ومع تعذّر دعم الدولة لهذه المؤسّسة يبقى التخلّص من المولّدات من سابع المستحيلات، ومستقبل خطة الكهرباء يكتنفه الغموض".
ويلفت البزال إلى "انّ أصحاب المولدات يعملون كالجندي المجهول، يخدمون الناس بلا ضمانات صحّية ولا تأمين، كذلك يتكبّدون كلفة الأعطال المستجدّة على شبكاتهم"، منتقدا في الوقت عينه التسعيرات التي تفرضها بعض البلديات على أصحاب المولّدات من دون العودة إلى أيّ دراسة فعليّة، وغالبا ما يتمّ تصويرنا في عيون الاهالي على انّنا نمتصّ دماءهم، فتظهر البلدية في الواجهة المدافعة والمتعاطفة مع الاهالي، ولا شكّ أنّ في تصرّفها مكاسب سياسيّة واستمالة لمزيد من الأصوات".
من الواضح انّ إقرار خطة الكهرباء وحده غير كافٍ، ومستقبله يشوبه كثير من التحدّيات، ويبقى السؤال متى الخروج من المراوحة إلى الفعل؟ حتى ذلك الحين يبقى المواطن "المفعول به" وأسير الفاتورتين!!!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك