مضاربة روسية صينية

لا يعبر الفيتو الروسي والصيني على مشروع قرار مجلس الامن الدولي بإدانة النظام السوري عن موقف مبدئي، أو أخلاقي. ولا هو يعكس حرصا شديدا من جانب موسكو وبكين على الرئيس بشار الاسد.. أو طبعا اهتماما خاصا بمواقف أو مشاعر الرأي العام في سوريا أو في أي من البلدان العربية التي سبق للروس والصينيين أن ناهضوا ثوراتها الشعبية.
منذ ان انتهت الحرب الباردة تحول مجلس الامن الى بورصة فعلية تقاس فيها أسعار الدول مثلما تحدد أسعار الاسهم والسلع والمنتجات الرئيسية في الأسواق العالمية. وطوال العقود الثلاثة الماضية، كانت خسائر روسيا، والصين بدرجة أقل، فادحة جدا، لان الغرب لم يقابل التنازلات والنوايا الحسنة الروسية والصينية التي أسهمت في إصدار عشرات القرارات الدولية المنسجمة والمصالح الغربية، إلا بالخداع والكذب، من دون أن يترك للروس أو الصينيين أي فرصة للمشاركة أو حتى للمنافسة المشروعة حتى في بلدان ومجالات كانت في الماضي حكرا لهم.
والامثلة على هذا السلوك الغربي المخادع لا تعد ولا تحصى، وبينها ما يمكن ان ينساه بعض اللبنانيين من قرارات دولية كانوا يتوقعون الفيتو الروسي عليها، ولم يحصلوا على أكثر من الامتناع عن التصويت، على نحو ما جرى في قرار تشكيل المحكمة الدولية، أو غيره من القرارات التي لم تعارضها روسيا بأمل ان تحصل على عقود لبنانية وعربية في مجالات التسلح أو النفط أو غيرها، لكن من دون جدوى. وهو ما حصل تماما مع الروس في العراق وفي جميع الدول الاوروبية الشرقية أو الافريقية التي خضعت في العقدين الماضيين لمؤشرات البورصة في مجلس الامن.
آخر التجارب البارزة في سياق المضاربة بأسعار الدول في مجلس الامن كانت التجربة الليبية: في البداية ارتكبت روسيا حماقة كبرى عندما التزمت الوقوف الى جانب نظام معمر القذافي، والاعتراض على تفويض حلف شمالي الاطلسي بإسقاطه، لكنها غيرت موقفها واستقبلت معارضيه واحتفت بهم، وتوقعت ان تكون شريكا ( مضاربا على الاقل) في إعادة بناء ليبيا. لكن ما جرى مع الروس والصينيين ايضا، كان مخيبا لآمالهم. وقد طار صوابهم عندما علموا ان أحد عباقرة السياسة الخارجية الاوروبية اقترح في الاجتماعات التمهيدية لأحد مؤتمرات مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا عدم دعوة روسيا والصين الى المؤتمر لمعاقبتهما على تأييدهما الاول للقذافي، وجن جنونهم عندما أدركوا في ما بعد أن الاسواق الليبية أقفلت في وجههم تماما، وهي ستظل مقفلة حتى ولو شارك الطيران الروسي في قصف مدينة سرت.
المصالح الروسية والصينية التي ضاعت في ليبيا لا تزيد كثيرا عن تلك الموجودة حاليا في سوريا. لكن المضاربة لا تقاس فقط بالاسعار. والخديعة التي تعرض لها الروس والصينيون في الاسواق الليبية لن تتكرر.. مع ان الغربيين تعمدوا استدراج المندوبين الروسي والصيني الى استخدام حق النقض، الذي سيستخدم حسب تقديرهم مرتين أو ثلاث مرات بعد لمصلحة سوريا، قبل أن تستقر بورصة مجلس الامن على السعر النهائي.