تتحكّم الواقعية بسياسة حزب الكتائب اللبنانية، الذي يُعَدّ أكثر الأحزاب خبرةً بدهاليز السياسية اللبنانية التي تعيش على وقعِ الإرهاب المستجدّ، والتهميش الرئاسي المترافق مع محاولة تسيير مؤسسات الدولة كافةً.
الموقف من «حزب الله»، التحذير من النزوح السوري، الدفاع عن مسيحيّي الشرق، الموقف من الحرب السورية، كلّها ملفّات كان يُنتقَد عليها الحزب، لكنّ التطوّرات أثبتَت صحّة خياراته، والتجارب أكبر دليل، فلم يتأخّر تيار «المستقبل» لحظة، في دخول الحكومة الى جانب «حزب الله» وبقية الأفرقاء السياسيين، فيما كان الهدف إبقاء مسيحيّي «14 آذار» خارجها تحت شعار «المبادئ». فماذا يختلف الدخول الى الحكومة الى جانب الحزب حاليّاً، عن دخولها بعد سنة مثلاً؟ مع العلم أنّه لن يُسلّم سلاحه في المدى المنظور، وسيتورَّط في الحرب السورية أكثر.
حزب الكتائب، أكثر مَن إختبر تجربة النازحين والتعاطف معهم. فالتجربة الفلسطينية ماثلة امام عيون الجميع، إذ جرَّ الكفاح الفلسطيني المُحتضَن سنّياً، ومن قوى اليسار، لبنان الى حرب الـ15 عاماً لم تنتهِ مفاعيلها بعد، ويتكرّر المشهد اليوم مع النزوح السوري بعدما تخطّى عدد النازحين المليون ونصف المليون نازح، في وقت كان حلفاء الكتائب يتسابقون الى إيوائهم وتقديم المساعدات التي تأخّرت عن النازحين المسيحيّين العراقيين، ويُنظّمون رحلات الحجّ الى عرسال.
الكارثة الأكبر التي أصابت مسيحيّي الشرق، كانت تهجيرهم من العراق وسوريا، ففي وقت كان همّ الأحزاب المسيحية الأخرى إظهار إمّا وحشية النظام السوري أو صوابيّته، حذَّر الكتائب من خطر التطرّف، وكان همّه الحفاظ على المسيحيين بصرف النظر عن الانظمة الموجودة، وليس إسترضاء حليف شيعي له إمتدادات فارسية، أو حليف سنّي له إمتدادات في العمق العربي الذي دعم سابقاً منظمة التحرير الفلسطينية.
المحطة الاخيرة التي ظهر فيها التمايز الكتائبي، كانت التشريع، وهذا الموقف المتقدّم ليس شعبوياً لكنّه يُعبّر عن هواجس المسيحيّين وفق مصادر الكتائب، التي تعتبر أنّ «الهدف ليس الدخول في سجال أو تمايز مع «القوات اللبنانية»، لكنّ المعركة الأساس هي إنتخاب رئيس للجمهورية، من هنا كنّا نرفض التشريع سابقاً وحالياً، وهذا الموقف يتلاقى مع موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إذ لا يجوز أن تعمل المؤسسات كافة، وتبقى رئاسة الجمهورية فارغة».
وتضيف المصادر: «كلّ مواد الدستور تقول إنّ التشريع لا يجوز في ظلّ غياب الرئيس، والرئاسة هي أمّ المؤسسات، وأيّ جهد يجب أن ينصبّ على الإنتخاب، وعندها نشرّع ولا شيء إسمه تشريع الضرورة».
وبالنسبة إلى دعوة المرشحين الى الإنسحاب، تؤكّد المصادر أنّ «هذه الدعوة ليست موجّهة الى الدكتور سمير جعجع الذي يقول إنه سينسحب لتسهيل إنتخاب رئيس، والرئيس أمين الجميّل لن يترشّح لأنّ المشكلة تكمن في تأمين النصاب وليس في المرشحين، والعماد ميشال عون لم يترشّح ولا يريد أن يبحث عن مرشّح توافقي، من هنا يجب فكّ أسر الرئاسة خدمة للمسيحيّين ولبنان».
قد يكون المكتب السياسي الكتائبي خاضَ نقاشاً حادّاً شملَ الملفات المطروحة، إلّا أنّ المصادر تؤكّد أنّ النائب سامي الجميّل موجود على الساحة، وله كلمة في إتخاذ القرارات، لكنّه لا يريد الظهور للتجييش أو الدخول في المعمعة السياسيّة، لأنّه لا يملك مشروعاً تسليحياً للمسيحيين ولا يريد المزايدة، وهو مقتنع بأنّ الصمت في هذه المرحلة الخطيرة، أفضل من الكلام الذي يضرّ ولا ينفع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك