تدرك قوى المعارضة ومعها النائب في الكتلة الجنبلاطية أكرم شهيب سلفاً انها تطلب المستحيل بإلحاحها على وزارة الخارجية والحكومة عموما باستدعاء السفير السوري، وفق الأصول، وإبلاغه احتجاجا على خطف رعايا سوريين مقيمين في لبنان استنادا الى تقارير رسمية كشفها المعني الأمني المباشر اللواء اشرف ريفي.
ومع ذلك تبدو هذه القضية من طبيعة غير قابلة للتمييع والمماطلة وإلحاقها بالملفات القيد التأجيل او التعتيم عليها بذريعة أمر واقع مرّ تحت جنح الظلام. اذ ان قوى 8 آذار حصراً، صاحبة الباع الطويل في الحل والربط في كل ما يعود راهناً الى العلاقات اللبنانية - السورية، ستكون في موقع المسؤولية المباشرة عن التعامل مع هذا الملف وتطوراته بمنطق الدولة وأصوله بالحد الادنى او بمنطق آخر ليس أقل مضاعفاته تفجير الانقسام الداخلي المتراكم حول انعكاسات الأزمة السورية على لبنان.
ذلك ان خطورة الانكشاف الامني في الداخل اللبناني تختلف اختلافاً جذرياً عن موقف "النأي بالنفس" عن المواقف الدولية من النظام السوري او تأييد مواقف النظام نفسه في الجامعة العربية على ما تدأب على اتباعه آليا وزارة الخارجية. واي استهانة بالذهاب في الملف الأمني الى نهايته، سيعني تعميم المخاوف من استحضار صفحات الاستباحة الامنية والمخابراتية وتشريعها على نحو شديد الخطورة على مجمل الوضع اللبناني في ظل سلطة تحكم السيطرة على قرارها قوى 8 آذار اقله في المفاصل الرئيسية المتصلة بالعلاقة مع سوريا.
استنادا الى الوقائع السياسية الكبيرة على الاقل، يتناوب رموز قوى 8 آذار في التشديد على ان الامور في سوريا استتبت تماما للنظام. وهذا المنحى السياسي يقابله تواتر سريع في التوغلات السورية الميدانية للحدود المشتركة، سواء كانت متداخلة او متباعدة، بذرائع مختلفة. اذاً في الحالتين، ثمة ما يمكن الاستناد اليه للتأكيد ان هناك وضعاً سورياً اقتحامياً وليس "دفاعياً" من الجانب المتصل بلبنان، وهو وضع يجري تثبيته على ألسنة زعماء 8 آذار وقواها قاطبة. وفي حال كهذه لا تمر مسألة متصلة بخطف رعايا سوريين، وما يثيره من خشية أعظم، من دون مساءلة القوى ذات النفوذ والسلطة عما تملكه على الاقل من معطيات حول حالات الخطف وملابساتها ودوافعها، ولو على سبيل نفي الوقائع التي تثبتها تقارير رسمية باتت في عهدة القضاء. فلتقل قوى 8 آذار ما لديها على الاقل، وعلناً. فهذا ملف لا يعالج في العتمة ولا ينجح اي مسعى لتهريبه.
وقد لا يحتاج احد الى التذكير بملف عشرات ألوف المخطوفين والمعتقلين والمخفيين في زمن باتت معه خيمة متآكلة في وسط بيروت الشهادة الحية الوحيدة الباقية على أبشع ما مني به اللبنانيون في مآسيهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك