دخل الرئيس السابق للمحكمة الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي إلى كل بيت لبناني، وكان دوره الشغل الشاغل للسياسيين، بعضهم انتظر منه الحقيقة والعدالة، والبعض الآخر هاجمه واعتبره وجها جديدا لاستعمار مبطن. أما هو فآثر العمل بصمت ووعد اللبنانيين بالحقيقة كاملة في قضية اغتيال خيرة رجالاته السياسية. وبعد صراع طويل مع مرض السرطان رحل القاضي كاسيزي بسلام في منزله في فلورنسا.
القاضي كاسيزي هو أحد أبرز الشخصيات في مجال العدالة الدولية، وكان أول رئيس للمحكمة الخاصة بلبنان وللمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وهو أيضا صاحب مسيرة مهنية طويلة في الأوساط الأكاديمية.
الرئيس الحالي للمحكمة الخاصة بلبنان القاضي دايفيد باراغوانتث علّق على رحيل كاسيزي وقال: "إن مأساة رحيل نينو تعجز عن وصفها الكلمات، فقد كان نينو بمثابة المايسترو في نظر موظفي المحكمة، وقدراته المميزة كرجل قانون وشخصية عامة يوازيها دفءه وإنسانيته اللذين جعلا منه صديقنا العزيز".
القاضي باراغوانث اكمل قائلا: " كاسيزي من الأشخاص الذين شرفنا العمل معهم، ساهم في تطوير القانون الجنائي الدولي العصري ولمع في هذا المجال، وامتدت عائلته إلى جميع أنحاء العالم حيث خيّم الظلم، ساهم نشاطه ورؤيته وفكره وشجاعته في تغيير مواقف ومؤسسات وحياة الكثير من الأشخاص".
الى ذلك، قوبل خبر رحيل القاضي كاسيزي بحزن عميق بين موظفي المحكمة، فـ"نينو"، كما يعرفه الكثيرون في المحكمة، كان محط اعجاب الكثيرين كونه رئيسا بارزا يتمتع برحابة الصدر والفكر اللامع وحسّ الفكاهة.
أما نائب رئيس المحكمة، القاضي رالف الرياشي، الصديق العزيز والزميل، نوّه ايضا "برحيل القاضي، مشيرا الى ان العدالة الدولية والناشطون في مجال حقوق الإنسان قد فقدوا أحد أبرز روادهم". وبإسهاب عبّر قائلا: "عزاؤنا الوحيد هو أنه ترك لعائلته و أصدقائه و زملائه و تلامذته إرثا غنيا من الإنسانية و العلم و احترام الآخرين. وجلّ ما علمنا إياه أنه مهما عظمت إنجازاتنا، من الممكن أن نبقى متواضعين".
واستقال القاضي كاسيزي كرئيس للمحكمة في 9 تشرين الاول من السنة الجارية لاسباب صحية بعد أن تولّى منصب رئيس المحكمة لأكثر من سنتين (آذار 2009- تشرين الاول 2011)، وكان يشغل منصب قاض في غرفة الاستئناف عندما توفي، وقد شكل خبر استقالته آنذاك حدثا بارزا تصدر معظم الصحف العربية والعالمية، والتي ترافقت مع كثير من الفرضيات والتحليلات في الخلفية التي دفعته إلى الرحيل من منصبه. إلا أن وفاة القاضي كاسيزي بعد صراع مع مرض السرطان بددت كل نظريات المؤامرة وأظهرت الوجه الجبار لقاض رفض الإستسلام للمرض منذ ظهوره في جسده وبقي أمينا على العدالة حتى الرمق الأخير.
وهذا المنصب هو الأخير في سلسلة من المناصب التي شغلها في المجال القانوني، ففي 2004، عّين الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان، القاضي أنطونيو كاسيزي، رئيسا للجنة التحقيق الدولية لدارفور، وعيّنه فيما بعد خبيرا مستقلا للنظر في الكفاءة القضائية للمحكمة الخاصة لسيراليون.
فطوال مسيرته المهنية، عمل كاسيزي للحد من حالات القتل خارج نطاق القانون والقتل المستهدف، وللتأكيد على المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية أمام المحاكم الوطنية والدولية.
كما شغل منصب أستاذ في القانون الدولي في جامعة فلورنسا من العام 1975 حتى العام 2008، وبين العامين 1987 و1993، وأستاذ في القانون في المعهد الجامعي الأوروبي، بالاضافة الى أستاذ زائر في معهد "أُول سولز" التابع لجامعة أكسفورد (1979-1980).
وكان عضوا في معهد القانون الدولي والرئيس الأسبق للجنة منع التعذيب التابعة للمجلس الأوروبي.
وللقاضي كاسيزي، الذي لطالما دافع عن الحق في تقرير المصير وحقوق الإنسان، كتابات عديدة حول جميع جوانب القانون الدولي، وبصورة خاصة القانون الجنائي الدولي. وقد حاز عددًا من الأوسمة الفخرية والجوائز.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك