جاء في صحيفة "اللواء": في رأي وزير وسطي، فإن مجمل المواقف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، لم تخرج عن نطاق المواقف التي تبنّاها الحزب من قبل، إن كان على الصعيد الداخلي وعلاقاته مع مختلف الأطراف السياسية وتحديداً مع المعارضة، أم بالنسبة لنظرته إلى الثورات العربية المتواصلة في أكثر من بلد عربي، بل أمعن في الالتزام بهذه المواقف والتأكيد عليها، بالرغم من المتغيّرات المتسارعة في المنطقة العربية عموماً، واتساع نطاق الثورات لتشمل سوريا وإمكانية تأثر لبنان بانعكاسات هذه الثورات في المرحلة المقبلة بشكل أو بآخر، نظراً لموقعه الجغرافي وترابط مصالحه مع المصالح العربية على حدٍّ سواء.
ويلاحظ بوضوح أن الأمين العام لحزب الله لم يبادر إلى طرح أي أفكار أو مقترحات جديدة، لإخراج الوضع الداخلي من دائرة الانقسام الحاد الذي تسبب به الحزب تحديداً بالتفاهم مع النظام السوري لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري نهاية العام، وكأن المتغيّرات والتطورات الجارية لم تؤثر على لبنان ولا تنبئ بأي مخاطر أو تداعيات محتملة عليه، بل استمر في التأكيد على المواقف السابقة المعتمدة بهذا الخصوص وكأن مواقف الحزب هي المواقف الصحيحة ومواقف الأطراف المعارضة هي مواقف خاطئة، وبالتالي هناك إصرار على السير في هذه المواقف حتى النهاية، متجاهلاً كل التداعيات السلبية والمخاطر التي تسببت بها هذه المواقف وانعكاساتها الضارة على الوحدة الوطنية وعلى مستقبل لبنان كدولة وكيان على حدٍّ سواء.
ويضيف الوزير المذكور، لم يكتفِ الأمين العام لحزب الله بالتمترس وراء المواقف التي اعتمدها الحزب في التعاطي السياسي الداخلي، وإنما استمر في نعت خصومه السياسيين بشتى النعوت التي إعتاد الحزب على إلصاقها بهؤلاء الخصوم زوراً وهي النعوت التي تزيد من التباعد والتفرقة بين الفرقاء اللبنانيين، وتسهم في تسميم الأجواء السياسية وشحن النفوس، في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى من يقرّب بين هؤلاء الأفرقاء ويعيد تهدئة الأجواء السياسية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، وللقيام بكل ما يلزم لتفادي التداعيات المحتملة للثورات العربية من جهة، وللاستحقاقات الداهمة وعلى رأسها المحكمة الدولية الخاصة بملاحقة ومحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من جهة ثانية والتخفيف قدر الإمكان من تأثيرها على الواقع اللبناني، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تبديد أجواء الانقسام اللبناني والعمل قدر الإمكان لإعادة حدّ أدنى من التفاهم بين مختلف الأطراف الداخليين.
ومن وجهة نظر الوزير الوسطي فإن نصر الله تجاهل كل هذه الوقائع وكأنها غير موجودة وحاول إعطاء انطباع بأنه لا يأبه لكل تداعيات الاستحقاقات المرتقبة، وقلّل من أهمية موجبات المحكمة الدولية، تمويلاً ومحاكمات ستبدأ قريباً في محاكمة أربعة متهمين من "حزب الله" بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كما فعل تماماً عندما جنّد كل إمكانيات الحزب المالية والأمنية لتعطيل إنشاء المحكمة سابقاً، ولكن ولدت المحكمة بفعل دعم معظم اللبنانيين، والآن ستبدأ المحاكمات الغيابية للمتهمين بالرغم من كل حملات التشكيك والتضليل السياسي والإعلامي التي يمارسها الحزب لإجهاض المحكمة واتخاذ كل الاجراءات الداخلية لتعطيل إمكانية استمرارها وتنفيذ أحكامها مستقبلاً.
ولم يكتفِ نصر الله بهذا القدر من إظهار تحكمه بمسار الوضع الحكومي، بل أعطى انطباعاً شبه قاطع باستحالة قدرة الحكومة على اتخاذ قرار بتمويل المحكمة الدولية من خلال دعوته إلى طرح هذا القرار على التصويت في مجلس الوزراء، لأنه من خلال هذه الآلية يضمن الحصول مع حلفائه على الأكثرية ويسقط اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، خلافاً للتأكيدات والتطمينات التي أعطاها رئيسا الجمهورية والحكومة إلى رؤساء الدول وكبار المسؤولين الدوليين بالالتزام بتمويل المحكمة الدولية.
ومن وجهة نظر الوزير الوسطي، لم يستطع الأمين العام لحزب الله الخروج عن دائرة الموقف الإيراني في التعاطي مع الثورات العربية، فاستمر بالتمييز بين ثورة وأخرى انطلاقاً من السياسة الإيرانية المتبعة بهذا الخصوص وخصوصاً من زاوية النفوذ السياسي أو الديني كما يحصل مع البحرين وسوريا، ففي الأولى تعاطف مع المعارضين في البحرين بكل قواه مثنياً على تحركهم ومطالبهم المنصفة في رأيه، في حين تبنى موقف النظام السوري في توصيفه للمتظاهرين السوريين وإعطائهم توصيفاً مختلفاً كلياً عن المتظاهرين البحرانيين وغيرهم من المنتفضين في الدول العربية الأخرى، مشككاً بنواياهم وارتباطاتهم بالنسبة لتعاطيهم مع الصراع العربي - الاسرائيلي وفي مسلكهم الديني تجاه الآخرين خلافاً لممارسات وتصرفات هؤلاء المنتفضين، مما يزيد من التباعد القائم بين هؤلاء و"حزب الله" بالأساس بسبب سياسة الحزب المتحالفة مع النظام السوري والاتهامات المساقة له بمساعدة النظام في ممارساته لكبح جماح الانتفاضة السورية طوال الأشهر الماضية.
وفي الخلاصة يعتبر الوزير الوسطي أن الأمين العام لحزب الله وبحسب ما نشر من أنباء صحفية عن لقاء حصل بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد قبل عشرة أيام تقريباً في دمشق، ما يزال ملتزماً أسس التفاهم الذي تم الاتفاق عليه عشية إسقاط حكومة الوحدة الوطنية نهاية العام الماضي، إن كان بالنسبة للوضع السياسي الداخلي، بالرغم من التطورات العربية المتسارعة وتفاعل الانتفاضة السورية وتأثيراتها على إمكانية تموضع بعض الأطراف السياسيين الداخليين كالنائب وليد جنبلاط وغيره، لأن نصر الله لا يستطيع الخروج من دائرة هذا التفاهم أو يتجاوزه لاعتبارات لها علاقة بالموقف الإيراني بالأساس وعدم التأكد من تداعي أسس النظام السوري بعد.
ولذلك، إستمر نصر الله في التأكيد على مواقف الحزب نفسها، غير آبه بمؤثرات وانعكاسات هذه المواقف على الحزب في المرحلة المقبلة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك