بدأ الليبيون محاولة إعادة بناء ما دمرته الحرب الطاحنة التي استمرت تسعة أشهر وحصدت أرواح عشرات الآلاف، ولكن بناء الحجر لن يكفي لمداواة الجراح الخفية للسكان، فقد بدأت نتائج الضغوط النفسية بالظهور على نطاق واسع، فالصلع ينتشر بسرعة بين الشباب، أما الأطفال فيعانون الأمرين في المدارس، من ميل لدى البعض إلى الانزواء، مقابل تصرفات عنيفة من البعض الآخر.
ومن الواضح أن الليبيين لا يواجهون تداعيات الأشهر الماضية فحسب، بل آثار أربعة عقود من القمع والهيمنة على كامل نواحي الحياة، في حين يفتقد القطاع الطبي إلى الكوادر المؤهلة لمعالجة هذه الحالات.
ويقول عاملون من منظمة "أطباء بلا حدود" إنهم أرسلوا فرق عمل إلى مدينة مصراتة التي تعرضت لحصار طويل ودمار واسع، وذلك لتدريب الطواقم الطبية العاملة فيها على كيفية مواجهة حالات مثل الإجهاض بسبب التوترات النفسية.
أما المناهج التعليمية فتفتقر إلى معالجة علمية للظواهر النفسية، ما يدفع المرضى في ليبيا إلى إخفاء حالاتهم عن المجتمع، بل إن بعضهم كان يسافر إلى خارج البلاد للحصول على العلاج.
ويبرز حجم الأزمات النفسية في مدارس ليبيا، التي فتحت أبوابها في أول عام دراسي بعد الحرب، وتقول المعالجة النفسية، ماريا بلحا، التي تعمل في إحدى مدارس مصراتة، إن تبدلات واسعة طرأت على سلوك العائلات والأولاد على حد سواء.
وحذر ديريك سامرفيلدز، الأخصائي النفسي في مركز دراسات النازحين بجامعة أكسفورد، من محاولة الجمعيات الطبية الغربية فرض أساليب العلاج المتبعة في الولايات المتحدة وأوروبا على السكان في ليبيا، محذراً من أن اختلاف أساليب التفكير بين المجتمعات قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
