واشنطن مطمئنة واستخبارات غربية تحذّر من احتمال حدوث اغتيالات
النهار

تتقاطع معلومات زوار واشنطن، مع ما نقله مسؤولون لبنانيون التقوا اخيرا موفدين اميركيين اتوا الى بيروت، عن حالة الاطمئنان التي تعكسها الادارة الاميركية حيال الوضع اللبناني. وتتفرد واشنطن" عن غيرها من عواصم القرار في اشاعة جو ارتياح الى عدم انعكاس الاحداث السورية على الساحة اللبنانية، مما اثار استغراب المسؤولين اللبنانيين، وبعضهم لم يبد ارتياحا مطلقا الى هذه التطمينات واسبابها، فيما لا يتحدث اي مسؤول لبناني الا عن الوضع السوري وتداعياته الخطرة.
وبحسب هؤلاء يتعامل الاميركيون مع الوضع الاقليمي وفق روزنامة اولوياتهم، المتعلقة اولا وآخرا بانسحاب جيشهم من العراق. وفي انتظار ترتيب آليات الانسحاب ، لم تضع واشنطن بعد السيناريو النهائي لما سيكون عليه الوضع بعد انهيار النظام السوري. فسقوط الرئيس بشار الاسد، الثابتة الوحيدة في خطاب الاميركيين، من دون اي استراتيجية واضحة يصرّحون بها لسائليهم عن مرحلة ما بعد الاسد. اما بالنسبة الى لبنان، فان ثمة تقاطعا بين المطلعين على الموقف الاميركي على ان واشنطن لا تعتقد ان ثمة طرفا لبنانيا يمكن ان يلجأ الى تفجير الوضع الداخلي، تحت اي ذريعة، وان الطرف المسلح والاكثر قدرة على توتير الوضع وتفجيره، لا مصلحة لديه اليوم في الذهاب بالوضع اللبناني الى حافة الانفجار، ولو انكسرت احدى حلقات الثلاثي طهران – دمشق – "حزب الله". وعلى رغم ان بعض المحاورين اللبنانيين تحدثوا عن ان الحزب حاليا يعيش صراع جناحين حول مستقبل الاحداث السورية وكيفية ترجمة الانهيار السوري على ارض لبنان، ثمة من يرجح بشدة طغيان الجناح العاقل في الحزب ورغبته في عدم الذهاب بعيدا في توتير الوضع وتفجيره، ما دامت الحوارات غير المباشرة اساسا بين طهران وواشنطن لا تزال مستمرة، ولم تقفل ابوابها بعد.
ولا ينكر الاطراف اللبنانيون في احاديثهم الداخلية ومع محدثيهم الغربيين ان ثمة استعدادات امنية من الحزب تطول مناطق جغرافية معينة، ومعروفة بتقاطعاتها الطائفية، الا ان التعويل على عقلانية الحزب يبقى متقدما. ويضاف اليه ان الطرف المعارض ثابت في قراره عدم المواجهة الميدانية مع اي جهة داخلية لان ثمة مصلحة وطنية عليا تقضي بتحييد البلد عن اي صراع داخلي مدمر، ولا مجال لاي استفزاز يستدرج اي طرف الى الشارع. وكذلك فإن قوى سياسية لا تزال تؤكد دور الجيش، على رغم بعض المآخذ والاصوات التي تتردد من حين الى آخر، لكنها تظل في اطار المسموح والاخذ والرد المحليين. وقد ظهر في بعض المحطات الاخيرة ان قضايا امنية عولجت بعيدا عن الاضواء (كما في ترشيش) وسحبت ذرائع التوترات الداخلية بعد اعتراف المعنيين بان اخطاء ارتكبت، فيما البعض الآخر قيد المعالجة كملف لاسا. وهذا ما حصل ايضا في موضوع الخروق السورية التي يعترف الجيش اللبناني باثنين منها في مناطق بقاعية - شمالية تشهد عادة عمليات تهريب، اضافة الى التشابكات الجغرافية. وبحسب المعلومات تعالج الخروق عبر لجنة الارتباط التي توجه الضابط اللبناني المسؤول فيها في الساعات الاخيرة الى دمشق لمتابعة الاتصالات المستمرة منذ اللحظات الاولى للتطورات على الحدود.
وهنا ايضا تكمن اهمية القرار الذي اتخذ بتجميد رخص السلاح كافة، على خطين بعدما تفاقمت الاحداث الامنية وعمليات التهريب التي يقوم بها اشخاص يحملون رخصا بالسلاح. والقرار الذي جاء بناء على توصية من قائد الجيش العماد جان قهوجي، يهدف الى حصر تداعيات السلاح المرخص له والمنتشر بكثافة، مع العلم ان اعطاء الرخص كان سابقا من صلاحية مديرية المخابرات لكنه بات في الاعوام الاخيرة من صلاحية وزير الدفاع.

سلة تحديات
وتبعا لذلك، فإن ارتباط الملف الداخلي بسوريا يطرح امام الاطراف اللبنانيين ولا سيما الذين لا يشاطرون الاميركيين رؤيتهم ، جملة تحديات تختصر بعدد من الاحداث والنقاط، وكل طرف من وجهة نظره.
اولا، ان الاميركيين يتحدثون عن تطمينات، فيما اعطى احد اجهزة الاستخبارات الاوروبية معلومات لجهاز امني لبناني عن احتمال حدوث اغتيالات. وتصل الى اجهزة امنية كمية من المعلومات من مصادر مختلفة يلقيها الامنيون معظم الاحيان في آلة فرم الورق، لفقدانها الصدقية. وخصوصا ان لبنان يعيش منذ عام 2005 تحت وطأة الضغط الامني الذي يرتفع منسوبه او ينخفض بحسب التوتر السياسي. ولا ينبغي التقليل من اهمية الحدث السوري بكل تشعباته، من هنا العتب على اثارة موضوع الاغتيالات في الاعلام واثارة البلبلة في وقت تعيش الساحة اللبنانية تقاطعا لكمية من المعلومات الامنية التي يجب العناية كثيرا بأسلوب التعامل معها والتدقيق فيها.
ثانيا، تؤشر تطورات اليوم الجمعة سوريًا، الى مستقبل المبادرة العربية ومستقبل سوريا معا في ضوء ما يمكن ان تشهده من تصعيد او تهدئة. وما حدث امس من سقوط قتلى لا يبشر بكثير من التفاؤل بان المبادرة تسلك سبيلا مطمئنا. والتجربة اللبنانية خلال الحرب وقرارات وقف النار ولجان التهدئة اكبر دليل على ان السلوك نفسه يتكرر، ولكن في غير ساحة. وهذا يعني ان ثمة مرحلة حساسة وخطرة في الاسبوعين المقبلين اذا تطورت الامور السورية نحو الاسوأ. والخطورة في نظر البعض اسرائيلية محض، في ظل وجهتي نظر لم تحسما بعد حيال موقف اسرائيل من النظام السوري، فهل تتدخل لانقاذه من خلال فتح حرب على جبهة لبنان كما كانت تفعل ايام والده الرئيس حافظ الاسد، ام تتفرج على سقوطه؟ وثمة رأي امني لبناني ان اسرائيل غير قادرة اليوم داخليا على قيادة حرب ضد لبنان.
ثالثا، ان الخوف لدى فريق معارض من انعكاس الوضع السوري يكمن في لجوء حلفاء سوريا، مع تمييز تام عن "حزب الله"، في اثارة اي قلاقل امنية يمكن ان توتر الوضع من دون ان تفجره، وذلك في محاولة لاستخدام لبنان ساحة خلفية للضغوط، في المخيمات او في بعض الجزر الامنية المعروفة.
رابعا، يكمن الخوف المقابل في تطور الوضع في سوريا طائفيا. وقد وردت معلومات مفصلة الى معنيين عن الاحداث الاخيرة في حمص، وجنوحها نحو تطورات امنية مذهبية . وخطورة حمص وامتداداتها الى لبنان قد تشكل حالة متقدمة عن غيرها من المناطق السورية، وخصوصا في ضوء ما يحكى عن نصائح اعطيت للاقليات فيها بمغادرتها سعيا من النظام السوري الى سحب الذرائع المذهبية. الا ان فوز المعارضة في حمص يعني حكما انتصارا لخصوم سوريا في لبنان.
خامسا، تخشى اوساط من غير المعارضة ان يشكل هذا الانتصار تفعيلا للحالة السنية الاصولية، التي اذا عبرت عن نفسها بقوة، يمكن ان تستدرج خصومها اللبنانيين الذين لن يقفوا بطبيعة الحال مكتوفي الايدي، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف الى بلبلة امنية لا تحمد عقباها. ولا يزال هاجس الاصولية السنية يؤرق البعثات الديبلوماسية التي لا تنفك في اي اجتماع امني تسأل عن تأثيراتها. وقد تضاعفت الاسئلة مع دخول اللاجئين السوريين لبنان.
سادسا، يطرح ملف العمال السوريين مشكلة امنية في ذاتها في ضوء الخلافات المتفاقمة في صفوفهم، حيث يعملون ويقيمون، الامر الذي يشكل تدريجا مشكلة قائمة في ذاتها، ومعظم هؤلاء له خبرة عسكرية وامنية. وبحسب معلومات امنية، وبرغم التحفظات عن اقامة كل فريق " ادارة امنية" مستقلة في معالجة اوضاع العمال في مناطق نفوذه، وما يسببه ذلك من توترات سياسية انعكست في مداخلات نواب المعارضة اخيرا، تجرى اتصالات على مستويات متعددة بين القوى الامنية والبلديات لضبط الاوضاع حيث يمكنها ان تعمل، على ان تقوم القوى الامنية بعمليات دهم حيث تدعو الحاجة الامنية، اي حيث هناك مشكلات وخلافات عنيفة كما حصل اخيرا في عدد من احياء بيروت، مع العلم ان ثمة مسؤولية على الاجهزة الامنية المولجة مراقبة اوضاع العمال الاجانب، كالامن العام مثلا.
سابعا، تتخوف الاوساط الامنية من انفجار موضوع اللاجئين السوريين في شكل مطرد، ويستطلع الديبلوماسيون الغربيون كل يوم آفاق هذا الدخول، وكيفية تعامل لبنان معهم ، سواء لجهة التدقيق في هوياتهم او عدم التضييق على حرياتهم. لكن ذلك يطرح مشكلة امنية كبيرة، في ضوء احتمال دخول عناصر اصولية او مخربة او مطلوبة، وهذا في ذاته يفاقم المشكلة اللبنانية الداخلية.
في المقابل، يتفاقم خوف فريق من المعارضة على حياة المخطوفين السوريين وحرية اللاجئين السوريين ، ولا سيما لجهة احقية اي فريق حزبي مسيحي او اسلامي في التدقيق في هويات القاطنين او العمال وحصر الموضوع في الاجهزة الرسمية. وهذا الفرز الطائفي او المناطقي يؤسس لحالات شبيهة بالادارات الحزبية خلال الحرب.