السفير
ذكرت صحيفة "السفير" ان زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الخاصة إلى لندن اتخذت طابعاً سياسياً بامتياز تجلى في الحرارة التي استقبل فيها رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون نظيره اللبناني من جهة، وفي مقاربته المنفتحة للملفات كافة من جهة ثانية وإبداء استعداد بلاده الصريح لتقديم الدعم للبنان وخصوصاً في ملفه البحري مع إسرائيل من جهة ثالثة.
ولقد تسرب خبر زيارة ميقاتي إلى السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي وبدا «حديث الساعة» في الحفل السنوي الذي نظمته الملكة إليزابيت في القصر الملكي في باكينغهام أمس الأول حيث عكف السفراء على الاستفسار عن تفاصيلها من سفيرة لبنان في لندن إنعام عسيران.
وفي الوقت نفسه، وجد المسؤولون البريطانيون، وفي مقدمتهم كاميرون، في الزيارة فرصة للإصغاء الى وجهة نظر ميقاتي في ملفات عدّة. ويذهب مصدر دبلوماسي متابع للقاء الى القول إن «الزيارة وما رافقها من اهتمام دبلوماسي وإعلامي برهن أن جو العزلة الذي كثر الحديث عنه منذ تشكيل حكومة ميقاتي هو من صنع اللبنانيين أنفسهم»، وأضاف «الحكومات الغربية لا تقيم وزناً إلا للمؤسسات وهذا ما بينته زيارة ميقاتي للندن».
كانت للزيارة التي انتهت أمس مقدماتها: فقد التقت سفيرة لبنان إنعام عسيران منذ أكثر من شهر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ألستير بيرت، وتحدثت معه عن اهمية وجهة النظر اللبنانية حيال ما يحدث في المنطقة نظراً لعوامل عدة، منها موقعه الجغرافي وسط الحوادث الجارية وخصوصية تكوينه السياسي. حديث عسيران وبيرت جاء عقب تعذر لقاء ميقاتي ـ كاميرون في باريس على هامش مؤتمر إعادة إعمار ليبيا، بسبب ضغط المواعيد، وقال بيرت لعسيران إن زيارة ميقاتي مرحب بها لكن يجب تحديد الوقت وتحضير الملفات التي سيتم تناولها، مبدياً اهتمامه بأن تحصل قبل بداية السنة خصوصاً أنه شخصياً ـ أي بيرت ـ سيزور لبنان في كانون الثاني المقبل.. وهكذا كان.
في لقاء الـ45 دقيقة في «10 داوننغ ستريت»، تحدث ميقاتي عن القضية الفلسطينية معتبراً أنها مفتاح الحل في المنطقة برمتها، مركزاً على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتناول الرئيسان الوضع في سوريا، فقال ميقاتي إنه نظراً الى العلاقات الوطيدة بين البلدين على المستويات كافة ومنها الاجتماعية والعائلية، ثمة رابط قوي يجعل لبنان يتخذ قرار النأي بنفسه سلباً أو إيجاباً عن كل ما يدور على الساحة السورية صوناً للاستقرار اللبناني. أما كاميرون، فاكتفى بالاستماع من دون أن يعلّق على ما سمعه «من زاوية إدراكه حساسية الوضع السوري حيال لبنان»، بحسب تعبير المصدر الدبلوماسي، ولكن المسؤول البريطاني ألمح الى أن «المعارضة السورية لم تنظّم نفسها بعد»، ولافتاً النظر الى أنه «من غير الممكن أن يحصل تدخّل عسكري غربي في سوريا»، آملا أن تقبل المعارضة السورية بالحل العربي، وشدد على أن بريطانيا مهتمة أولاً وأخيراً باستقرار لبنان.
وتطرق البحث الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فأكد ميقاتي التزام حكومته بالقرارات الدولية كافة، فيما لم يسأل كاميرون عن كيفية التمويل وآليته، ويعلق الدبلوماسي المذكور على الموضوع بالقول إن «المسؤولين البريطانيين يعرفون جيداً صعوبة مسألة التمويل، وهم على عكس نظرائهم الأوروبيين يبتعدون عن التهديد والوعيد بالعقوبات، لكنهم في الوقت عينه ينتظرون إيفاء لبنان بتعهداته الدولية، وهو ما سمعوه من ميقاتي الذي أكد لهم بوضوح من أنه سيبذل جهده لتأمين التمويل لمصلحة لبنان واستقراره»، ولم يتم التطرق في المحادثات الى موقف «حزب الله» من المحكمة «لا من قريب ولا من بعيد»، على حد تعبير المصدر الدبلوماسي اللبناني.
وتباحث ميقاتي وكاميرون في المساعدات العسكرية للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي على حدّ سواء، وتمّ تجهيز ملفّ متكامل بتفاصيل المساعدات العسكرية البريطانية للمؤسستين العسكريتين اللبنانيتين. وطمأن ميقاتي الى التزام لبنان بتطبيق القرار 1701. وأبلغ كاميرون ميقاتي أن وفداً عسكرياً بريطانياً سوف يزور لبنان قريباً لبحث موضوع المساعدات تفصيلياً مع المعنيين».
بالنسبة الى تثبيت الحدود البحرية أبدى المسؤولون البريطانيون تعاطفهم مع لبنان متعجبين من أنه «حتى حقوقكم البحرية منتهكة»، وتعمق ميقاتي بتفاصيل موضوع الملف البحري ووعده كاميرون بأن بريطانيا سوف تدعم الموقف اللبناني سواء في الأمم المتحدة أو مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
على صعيد الملفات الأخرى، طلب لبنان الاستعانة بخبراء بريطانيين لمساعدة وزارة المالية في شأن العمل الضريبي، وفي العمل التنظيمي التقني لعدد من المرافق العامة والوزارات، ومنها الطاقة والمياه والاتصالات، فضلاً عن تبادل خبرات بالنسبة الى الخدمات العامة وموظفي القطاع العام والدبلوماسيين والأمنيين، كذلك طلب لبنان خبراء في مجال الرياضة والشباب وفي وزارة التربية الوطنية ودعم القطاع الصحي، حيث تم الاتفاق على تدريب ممرضين وممرضات من المستشفيات الحكومية اللبنانية، واتفق المجتمعون على أن يتابع سفيرا لبنان وبريطانيا إنعام عسيران وطوم فلتشر هذه الملفات تفصيلياً، علماً أن عسيران ستجتمع غداً بوزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط كريستيان تورنر لوضعه في تفاصيل هذه الملفات وتنسيق التعاون الثنائي.
أما بالنسبة للقاء ميقاتي بالممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية كاترين آشتون، وهي بريطانية الأصل، في منزله بناء على طلبها، فقد «تركز البحث على موضوع الاستقرار القائم في لبنان حالياً بالمقارنة مع الأوضاع المتوترة في محيطه ووجوب تثبيت هذا الاستقرار عبر دعم المجتمع الدولي وأوروبا تحديداً لجهود الحكومة اللبنانية على الصعد كافة، بالإضافة الى استمرار لبنان في احترام التزاماته الدولية، بما يؤمن مصلحته الوطنية «، وجدد ميقاتي، حسب مكتبه الإعلامي، التأكيد ان السلام العادل والشامل هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، وأن هذا السلام لا يقوم إلا على حل القضية الفلسطينية وإعادة الحقوق العربية عبر التنفيذ الكامل للقرارات الدولية بعيداً عن الانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين». وطالب اوروبا «بدعم لبنان في عملية تثبيت الحدود المائية البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة بما يؤمن مصالح لبنان الاقصادية».
بدورها، أبدت أشتون "تفهمها للموقف اللبناني من مجمل المسائل المطروحة في المنطقة لا سيما النأي بنفسه عن القرارات الدولية المتعلقة بسوريا»، وشددت على ضرورة استمراره في تطبيق القرارات الدولية». كما شددت على «أن جامعة الدول العربية لديها حالياً فرصة أكبر في حل قضايا الشرق الأوسط والمساعدة في انتقال العالم العربي الى مرحلة جديدة".
ودعا ميقاتي أشتون لزيارة لبنان مجدداً فوعدت بتلبية الدعوة في القريب العاجل.
ووصفت أشتون اللقاء مع ميقاتي بأنه كان ممتازاً، وأشادت بالجهد الذي يقوم به ميقاتي لحماية الشعب اللبناني، وأشارت الى أن البحث تطرق إلى استمرار دعم المحكمة الخاصة بلبنان.