لا اتفاق على النسبيّة قبل التوافق على المحــاصصة

ثائر غندور

الأخبار

عقد اليوم اجتماعان متعلقان بالنسبيّة. اجتماع لمجلس الوزراء مخصّص للبحث في الموضوع، وهو الأوّل في سلسلة اجتماعات ينوي المجلس عقدها للتوصّل إلى توافق حول النسبيّة. واجتماع آخر للقاء المسيحي الرباعي في بكركي، الذي انقطع عن الاجتماع منذ اللقاء الأخير الموسّع في أيلول الماضي. في الاجتماع الأول، يدور نقاش لا يُمكنه أن يرقى إلى مستوى النقاش السياسي الجدي، رغم أنه توجد داخل الحكومة رغبات جديّة لدى عدد من الأطراف بالوصول إلى نتيجة إيجابيّة. فرئيس الجمهوريّة ميشال سليمان متحمّس إلى أقصى الدرجات لإقرار قانون انتخابي يستند إلى النسبيّة، لرغبته في تحقيق إنجاز جدي في عهده لجهة تطوير النظام السياسي. أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فإنه أيضاً يُريد بجدٍ إقرار هذا القانون لمعرفته بأنه سيربح على الصعيد الوطني، بغض النظر عن حساباته الطرابلسية التي تضعه مع شركائه الحكوميين في موقع متقدم على ساحة العاصمة الشمالية. وميقاتي، يعلم جيداً أن النسبيّة ستفتح المجال لخرق دوائر تيّار المستقبل في عكّار والمنية والضنيّة وصيدا والبقاع الغربي، ما يعني حكماً تشكيل غطاء سني أكبر له لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات. ومن جهته، يُريد التيّار الوطني الحرّ بقوة الاستناد إلى القانون النسبي، لقدرة هذا القانون على تأمين تمثيل أفضل له.

لكنّ العقبات أمام قدرة مجلس الوزراء على إنجاز نقاش سياسي جدي تبدأ بشخص وزير الداخليّة مروان شربل. فشربل هو الشخص المفترض أنه محور النقاش في هذا القانون، وهو، بحسب عدد من زملائه وعدد من السياسيين، غير ملمٍّ بتفاصيل النسبيّة، وغير قادرٍ على شرحها. وقد برز ذلك خلال عرضه مشروع القانون في مجلس الوزراء أو في اللقاءات التي عقدتها وزارة الداخليّة لممثلي الأحزاب، ما دفع بعض من حضر هذه اللقاءات إلى القول إنه يبدو أن وزير الداخليّة لم يفهم النسبيّة بعد. وإلى جانب شربل، هناك عدد من الوزراء غير المتعمّقين بهذا الملف، ما يمنعهم من المشاركة الجديّة في النقاشات.
أمّا العقبة الثانية في مجلس الوزراء فهي وزراء النائب وليد جنبلاط. هؤلاء يخوضون المفاوضات انطلاقاً من نظريّة إمرار الوقت حتى الوصول إلى وقت يُصبح فيه الوقت متأخراً على اعتماد النسبيّة، أو حتى يرفض الآخرون هذا القانون. ويردد بعض هؤلاء كلاماً مفاده أنه لا قانون يُمكن أن يؤمّن لجنبلاط التمثيل الذي حصل عليه في ظلّ قانون 1960. وتسود قناعة في الأوساط الوزاريّة الجنبلاطيّة بأنه لا أحد من الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، أو المعارضة لها، يريد النسبية حقاً، رغم مجاهرتهم بالعكس. وبناءً على هذه القناعة، يسأل الجنبلاطيون أنفسهم ومحدثيهم: «طالما أن النسبية لن تُقرّ، فنحن لن نعلن بعد اليوم معارضتنا لها، لكي لا نظهر بمظهر المعارض الوحيد لها، وسننتقل إلى البحث في تفاصيلها». وسينقل هؤلاء الوزراء إلى الاجتماع الوزاري المطالب التي رفعها جنبلاط إلى ميقاتي، والتي ربط فيها قبوله النسبيّة باعتماد الدوائر المتوسّطة، أي تلك التي تجمع دوائر الشوف وعاليه وبعبدا معاً، لأنه يعتقد أن هذه الدائرة تؤمن له مصالحه. لكن الاعتقاد الجنبلاطي هو أن الدوائر المتوسّطة ستواجَه برفضٍ مسيحي. طرح الدوائر المتوسّطة هو محاولة لضرب النسبيّة، إذاً. «لكننا سنقبل بهذا الطرح» يقول أحد الذين يشاركون في اللقاء المسيحي. ويُبرّر الأمر بأن الأطراف الأربعة التي تلتقي في بكركي (التيار الوطني الحرّ، تيّار المردة، حزب الكتائب والقوات اللبنانيّة) تُؤيّد النسبيّة. فالمواقف العلنيّة لهذه الأفرقاء (آخرها أمس لرئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات سمير جعجع) وضعت هذه القوى في زاوية ضيّقة تمنعها من رفض النسبيّة مستقبلاً، نظرياً على الأقل. وعلى رأسها القوات التي لا يمكنها تبرير الرفض، إذا ما جاء تماهياً مع رفض تيّار المستقبل. والأهم من المواقف المعلنة لهذه القوى هي الأجواء التي تُنقل عن البطريرك بشارة الراعي، والتي تشير كلّها إلى تفضيل الراعي للنظام النسبي. وفي اللحظة التي يُعلن فيها الراعي موقفه هذا، فإنه سيضع الجميع في «خانة اليكّ».
لكنّ بعض السياسيين المسيحيين يتخوّفون من رفض قواتي لمنع الراعي من تحقيق إنجاز جديد، وذلك في إطار المعركة المحتدمة بين القوات والبطريرك. لكن الأكيد أن إعادة إحياء الراعي للقاءات اللجنة المخصصة لبحث قانون الانتخابات تُرسل إشارات جديّة للجميع، بأن سيّد بكركي يرغب في الخروج بموقف موحّد لكنيسته وللقوى السياسية التي تُعلن دوماً التزامها بسقف هذه الكنيسة.
في المحصلة، يُشكّل الاجتماعان اللذان يعقدان اليوم محطّة في الصراع الدائر حول قانون الانتخابات. هو صراع يدور جوهره حول شكل الأكثريّة المقبلة. يخفي الرافضون للنسبيّة، مستقبليّين واشتراكيين، خوفهم من وصول أكثريّة يتزعمها حزب الله والنائب ميشال عون. هو تخوّف لا يقبل هؤلاء حتى التفكير به، فكيف الوصول إليه. بغض النظر عن هذا التخوّف، لا يُمكن التوصّل إلى توافق حول النسبيّة من دون تفاوض وتسويات من تحت الطاولة حول الحصص والأحجام. ينقل زوّار وليد جنبلاط تساؤله: ما الذي يُريده حزب الله ليتخلّى عن المقعد الدرزي الذي حصل عليه في بعبدا؟ سؤال ـــــ مفتاح. من خلال أسئلة كهذه ستدور مفاوضات اعتماد النسبيّة أو دفنها.