كل شيء نسبي إلاّ قوانين الانتخاب

رفيق خوري

الأنوار

مجلس الوزراء اختار الدخول في امتحان صعب خلافا للتقليد اللبناني في أمرين: شكلي وجوهري. أولهما ان يكون لنا قانون انتخاب جاهز قبل شهور طويلة من موعد الانتخابات، لا أن يهبط علينا في ربع الساعة الأخير كالعادة. وثانيهما ان مشروع القانون الذي قدمه وزير الداخلية الي المجلس يكسر (تابو) طويل العمر وشديد الحراسة من أهل التركيبة السياسية، عبر الانتقال من النظام الأكثري الى النظام النسبي. ولا أحد يعرف متى ينتهي النقاش وكيف يخرج المشروع من مجلس الوزراء ثم من المجلس النيابي، ولا ان كان سيبصر النور. فالمشروع يصطدم بجدار سميك من المصالح والحسابات الفئوية لقوى مختلفة في المواقع ومتفقة في المواقف المعارضة لفتح أية ثغرة في الجدار. حتى النقاش فيه، فان كثيرين وضعوه في خانة الهروب من مواجهة تحديات وقضايا تتقدم على المشروع.


ومهما يكن، فان المسألة ليست من نوع الترف السياسي. صحيح ان المشاكل والقضايا التي تحتاج الى معالجات بقوانين ومشاريع كثيرة. وكلها ملحّ ومهم. لكن الصحيح أيضاً أن قانون الانتخاب أهم قانون في النظام. فهو حجر الأساس في البناء الديمقراطي والخط الحاسم في (هندسة) الحياة السياسية لجهة فتح الباب على التغيير أو لإغلاقه وإعادة إنتاج وضع صار في طريق مسدود.

ذلك أن الواقع محكوم بمفارقات تتكاثر يصعب أن تنجح في أي بلد. وليس أغرب منها سوى التكيف معها بقوة الاضطرار، وسط تفشيل أي مسعى لفتح باب الخيار. وأكبر هذه المفارقات أن كل شيء في لبنان نسبي باستثناء قوانين الانتخاب. ودور الدولة نسبي. السيادة نسبية. (احتكار العنف الشرعي) نسبي. الممارسة الديمقراطية نسبية. معالجة قضايا الناس والبلد نسبية. حتى ممارسة السلطة، فإنها نسبية. أما قوانين الانتخاب، من الاستقلال الى اليوم، فإنها شمولية كأننا في نظام شمولي لا في نظام ديمقراطي برلماني.

إذ القاعدة في الأنظمة الديمقراطية هي أن قوانين الانتخاب على نوعين: إما دائرة فردية في نظام أكثري على مرحلة أو مرحلتين، وإما دوائر كبيرة في نظام نسبي. فلا شيء اسمه لوائح في دوائر واسعة أو متوسطة حسب النظام الأكثري إلا في الأنظمة الشمولية. وقوانين الانتخاب في لبنان هي كذلك الا في النادر ولأسباب تتعلق بسياسة من في السلطة وحسابات المجيء بأنصاره وإسقاط خصومه. فهل دقت ساعة الخروج من هذا المأزق أم أن المأزق هو الضامن الوحيد لمصالح التركيبة السياسية?
الجواب في المواقف العملية لا في الخطاب المعلن.