الجمهورية: ماذا بعد العقوبات الماليّة الأميركيّة على سوريا؟
الجمهورية: ماذا بعد العقوبات الماليّة الأميركيّة على سوريا؟
الجمهورية

كتبت صحيفة "الجمهورية": نجحت الدبلوماسيّة الأميركيّة الى حدّ بعيد بإبعاد محاضر اللقاءات التي عقدها الموفد الأميركي مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر الى لبنان، تزامُنا مع الصمت المطبق الذي يتقنه المتعاطون بالملفّ المالي، ما جعل البحث عن النتائج التي آلت اليها زيارة الساعات الـ 48 التي أمضاها الدبلوماسي الأميركي في بيروت مهمّة صعبة تقارب المستحيلات.

لكنّ مصادر مطّلعة تبلّغت بعضا من المناقشات في الملفّات التي طُرحت، وتحديدا لجهة التزام لبنان مقتضيات العقوبات على الاقتصاد السوريّ، والتي فرضها الاتّحاد الأوروبّي والولايات المتّحدة الأميركيّة وتمويل المحكمة الخاصة بلبنان من خلال ما تبلّغه المسؤولون اللبنانيّون من رسائل مباشرة وغير مباشرة.

ففي الشقّ المالي - التقنيّ كان الحديث بين الموفد الأميركي ومحدّثيه اللبنانيّين" تقنيّا وناشفا"، تناول أثرَ العقوبات التي اتّخذت على علاقات النظام الماليّ السوريّ مع الخارج وبالعكس. فكان اطمئنان من الجانب الأميركي إلى أنّ الجانب اللبنانيّ يتقن كيفيّة الالتزام بها، وهي التي استندت الى القواعد والأصول الدوليّة. فليست المرّة الأولى التي تفرض فيها مثل هذه العقوبات على أنظمة ودول وأفراد في العقود القليلة الماضية بعدما تحوّلت الى سلاح من "أسلحة العقاب الدوليّة المشروعة" في الكثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة والعالم.

فالجميع يعرف أنّه لم يعد سهلا التهرّب من هذه العقوبات أو التعاطي معها بشكل غير دقيق، فما بات مفروضا على المصارف والمؤسّسات الماليّة الدوليّة من تقارير دوريّة تتناول موازناتها المجمّعة والمعلنة على الملأ واحدة من قنوات التثبّت من حجم ومدى الالتزام بها. ولم يعد هناك أحد قادر على تجاوزها أو اللجوء الى وسيلة من الوسائل التي تحول دون الشفافيّة في ممارسة سياساتها الماليّة الى النهايات المطلوبة.

وقياسا على حجم الاتّفاقيات الدولية التي تلتزم بها المصارف اللبنانية وتلك التي تضمّنتها اتّفاقيات التعاون بين لبنان وسوريا والتي على أساسها دخلت المصارف اللبنانية الى السوق السوريّة كَـ "مصارف خاصة مستقلة" عن إداراتها اللبنانيّة، فقد تبيّن أنّها كانت في أعلى مراتب الالتزام، وخصوصاً أن لا عوائق لبنانيّة، ولا سوريّة حالت دون ذلك. وثمّة من يعترف بأنّ خطوة المصارف بالدخول الى السوق السوريّة لم تكن منتجة ولم تحقّق مبتغاها في السنوات القليلة التي عملت فيها فاقتصرت "إنجازاتها" على تدريب الموظّفين السوريّين على أصول العمل المصرفي قبل ان تهدّد الأحداث السوريّة سوقها المالي، فتوقّفت فيها كلّ أشكال العمليّات المصرفيّة التي كانت تمنّي النفس بأرباحها.
أضف الى ذلك، يقول العارفون بدقائق السياسة الماليّة للمصرف المركزي السوريّ، أنّ هذا النظام لم يخرج بعد الى الأفق الدولي الأوسع، وأنّ النظام السياسيّ ما زال يفرض بشكل مسبَق ما قضت به العقوبات الدولية في حركة الأموال وحجمها ووسائل تبادلها بين الداخل والخارج، ولكنّ تأثير مثل هذه العقوبات غير ذي جدوى كما لو أنّها فرضت على دول تمارس النظام الاقتصادي الحرّ، ما كان سيؤدّي حتماً إلى نوع من الشلل الماليّ والاقتصادي، خصوصا إذا نُفّذت على طريقة التعاطي مع العمليّات المشبوهة بغسل الأموال.

ولذلك، يعترف العارفون بأنّ الوسائل المعتمدة لإمرار الأموال السوريّة غير الشرعيّة باتت تحت المجهر الدولي والمحلّي في آن، وهي في معظمها تجري من خارج عمليّات المصارف وقنواتها الماليّة المكشوفة والمراقبة. وانطلاقاً من ذلك، أدرك الموفد الأميركي أنّ البحث في أوراق المصارف اللبنانية وتحويلاتها لن يؤدّي إلى اكتشاف عمليّات تهريب الأموال من سوريا وإليها. لأنّ القنوات المتوافرة لا يمكنها أن تستوعب نقل المليارات منها وإليها – إذا صحّ ذلك – وأنّ الوسائل التي اعتمدت سابقا في دول افريقية وفي اميركا اللاتينية أو العراق قبل الغزو ما زالت هي هي، وهناك من يمتلك الخبرة في نقلها في لبنان وسوريا، ومنهما الى ايّ مكان في العالم.
لكنّ الأهمّ يبقى في ما انتهت إليه القراءة السياسيّة لزيارة الموفد الأميركي، إذ توقّفت المراجع المعنيّة أمام بعض زلّات اللسان "المقصودة" كالقول إنّ ما نقله من تمنّيات وطلبات ليست سوى إشارات الى قرارات اتّخذت وستنفّذ وغير قابلة للجدل. كما نقل عنه ما معناه أنّ العقوبات المفروضة الى اليوم هي المعبر الإلزامي الى خطوات أخرى. وفي مكان آخر سأل عن مدى تأثيراتها إذا ما أعقبتها إجراءات أخرى باتت على الطريق، ومنها ما يشير الى أهمّية ان يفقد النظام في سوريا سلطته على الأجواء والمياه الإقليميّة السوريّة. ألم تحذّر الحكومتان الأميركيّة والبريطانيّة رعاياهما في أيلول الماضي، وخصوصاً مَن ليس لديهم أيّ عمل مهمّ في سوريا، بغية تركها ما دامت هناك مطارات وشركات طيران مدنيّة تعمل بشكل طبيعيّ.

على هذه الخلفيّات، تتوسّع القراءة في "فنجان" المراحل المقبلة من العقوبات المنتظرة، وعليها يبني من بيدهم قرارات التعاطي مع مستقبل الأوضاع في سوريا والمنطقة... وإنّ غداً لناظره قريب.