أي ثمن يدفعه لبنان لو كان الحريري رئيساً للحكومة؟

عماد مرمل

السفير

من الواضح ان «قلب» الساحة اللبنانية بات يخفق على نبض الأزمة السورية، بعدما أشهر الجميع أوراقهم على طاولتها، في معركة رهانات لا تحتمل الحلول الوسط ولا بد من ان يخرج رابح وخاسر منها، وبالتالي فان كل تطور يطرأ على تلك الأزمة المفتوحة، سينعكس على الوضع الداخلي، «السـريع العطب» أصلا.
وهكذا، ما كادت «تُغيّم» في القاهرة التي أعلن منها وزراء الخارجية العرب بأكثرية الأصوات، الحرب السياسية والاقتصادية على النظام السوري، حتى «أمطرت» في بيروت، وبدأت تظهر سريعا عوارض التداعيات على الداخل اللبناني الذي سرعان ما انقسم بحدة بين داعم لقرارات الجامعة العربية ومعارض لها، ليضاف هذا العنصر المستجد الى قائمة «العوامل المتفجرة» التي تمتد من وادي خالد حيث نقطة الإرتكاز لملف اللاجئين السوريين المستخدم في لعبة عض الأصابع، الى الرياض حيث يخوض الرئيس سعد الحريري معركة دعم «الثورة السورية» من وراء الصحارى والبحار، بسلاح الـ«تويتر».
وانطلاقا من هذا الفرز، سارعت قوى 14آذار الى تلقف «الفرصة الجديدة» وشن حملة عنيفة على موقف لبنان الذي عبّر عنه وزير الخارجية عدنان منصور، بالاعتراض على قرارات الجامعة العربية، وصولا الى تلويح هذه القوى بإمكانية إثارة مسألة وجود السفير السوري في بيروت والسفير اللبناني في دمشق، انسجاما مع اتجاه غالبية الدول العربية الى سحب سفرائها من دمشق، ولم يتردد الرئيس الحريري في التعبير عن «خجله» من موقف الحكومة الذي لا يعكس برأيه «تطلعات الشعب اللبناني».
وليس صعبا التقدير بان العقوبات السياسية والاقتصادية التي اقرتها الجامعة العربية بحق سوريا قد «أنعشت» فريق 14آذار، بعدما ضخت في رئته السياسية جرعة حيوية من «الأوكسيجين»، في أعقاب فترة طويلة من «الاختناق» الناتج عن إصابة هذا الفريق بـ«ربو» المغادرة القسرية للسلطة، ولعل سعد الحريري الذي يحمّل بشار الأسد مسؤولية إقصائه عن رئاسة الحكومة يعتقد ان الوقت قد حان ليثأر من تنحيته.. بتنحي من كان سببا بإقصائه عن الحكم.
وبهذا المعنى، فان موقف الجامعة العربية سيشكل «رافعة» للجبهة التي قررت المعارضة ان تفتحها من لبنان ضد النظام السوري، للمساهمة بقدر إمكانياتها في جهد «الحلفاء» ضد هذا النظام، مفترضة ان قرارات الجامعة تمنح «المشروعية» اللازمة لهذا الإنخراط العلني في المعركة الإقليمية والدولية التي تُشن على الأسد، خصوصا انها تبني حساباتها على أساس ان سقوط الرئيس السوري اصبح مسألة وقت ليس إلا، ولا بد من ان تحجز منذ الآن مقعدا لها في مرحلة ما بعد سقوطه.
وإذا كانت مقولة ان الحكومة تعمل على جر لبنان الى المواجهة مع المجتمع الدولي، قد تعثرت بفعل تكتيك رئيسها نجيب ميقاتي الذي استطاع إجهاض محاولات حصاره وتمكن بنفسه الطويل من «احتواء» العواصم الغربية، فان اتهام هذه الحكومة بأنها تعزل لبنان عن عمقه العربي وتقف مع نظام آيل للسقوط، قد يكون من وجهة نظر المعارضة أكثر إحراجا لميقاتي، «لاسيما وان رفض وزير الخارجية لما قررته الجامعة وبالتالي الإصطفاف الى جانب دمشق، يتناقض حتى مع شعار رئيس الحكومة «النأي بلبنان» عن أحداث سوريا».
وفي حين يتعرض الوزير منصور منذ ان صوّت ضد قرارات الجامعة العربية الى حملة عنيفة من أوساط 14آذار، وصلت الى حد المطالبة بطرح الثقة فيه، نُقل عن منصور قوله ان ما فعله باسم الدولة اللبنانية يعكس الموقف السليم الذي يدافع عن مصالح لبنان الحيوية والاستراتيجية، قبل مصلحة سوريا.
ويتساءل منصور أمام زواره: كيف يوفق الذين يطالبوننا بسحب سفيرنا من دمشق بين طرحهم هذا وبين إلحاحهم المزمن على سوريا كي تقيم علاقات دبلوماسية مع لبنان وتوافق على فتح سفارة فيه، وما الذي يضمن ألا ترفض القيادة السورية بعد استتباب الوضع استئناف هذه العلاقات وعودة السفير اللبناني اليها؟
ويضيف: كيف يطالبنا هؤلاء بأن نشارك في فرض عقوبات إقتصادية على سوريا، وهم يعلمون قبل غيرهم انه إذا أقفلنا الحدود، فان لبنان هو أول من سيختنق، والتجار والمزارعون والصناعيون هم أول من سيدفع الثمن، وهذا ما أكدته التجارب السابقة عندما كانت ترتفع الصرخة بمجرد ان تغلق سوريا الحدود لوقت قصير.
ويلفت منصور الانتباه الى ان الخطوة التالية التي ستُقدم عليها الجامعة العربية هي الاعتراف بالمجلس الانتقالي السوري، فهل يحتمل لبنان ان يكون شريكا في هذا الاعتراف مع ما سيرتبه ذلك من تداعيات خطيرة على الاستقرار الداخلي؟
وينبّه منصور الى ان الدول الخليجية البعيدة لها حسابات مغايرة، «أما نحن جيران سوريا فعلينا ان ندرس خطواتنا جيدا وان نتصرف بحكمة ومسؤولية».
ولكن.. ماذا لو كان سعد الحريري رئيسا للحكومة في هذا الظرف؟ وما هو السيناريو البديل في مثل هذه الحال؟
هناك في نادي «الأكثرية» الحالية من يعتبر ان الأحداث المتلاحقة منذ بدء الأزمة في سوريا بيّنت أن لهذه الحكومة فضيلة أكيدة على الأقل، وهي أنها برئاسة نجيب ميقاتي، وهذه الفضيلة تكفي ـ حتى ولو افترض البعض أنها وحيدة ـ لإدراك أهمية التحول الذي حصل في السلطة وقاد إلى إخراج الحريري منها، لانه لو كان يترأس حكومة وحدة وطنية في مثل هذا الظرف متسلحا بخياراته العدائية ضد النظام السوري، فان ذلك كان سيؤدي حكما الى تفجير مجلس الوزراء وإدخال البلد في أزمة سياسية ووطنية مفتوحة على كل الإحتمالات، في حين ان وجود ميقاتي في الحكم حقق حدا أدنى من الاستقرار والحماية، وخفف مما يمكن ان يطال لبنان من أضرار بفعل العاصفة التي تهب على المنطقة.