سليمان اتصل بعبد الله: سباق التداعيات والحلّ

يتّسع الشرخ بين سوريا والجامعة العربية التي تضيّق الخناق عليها، من غير أن تبدي دمشق استعداداً للرضوخ للشروط دفعة واحدة. تتمسّك بالحلّ الأمني وتبطئ الإصلاح. في المقابل، تكرّس الجامعة سابقة افتتحتها بليبيا وتطبّقها على دمشق، هي عزل دولة بتجميد عضويتها

اتصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الأسبوع الماضي، بالعاهل السعودي الملك عبد الله، ورغب إليه في بذل مزيد من الجهود لتسوية الأزمة السورية. في مكالمته الهاتفية التي سبقت اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 12 تشرين الثاني، تناول رئيس الجمهورية مع الملك دقة الوضع في سوريا وارتدادات نزفه على المنطقة ومحاذيره، وحضّه على التدخّل. وتمنى عليه السعي إلى منح الرئيس السوري بشّار الأسد مزيداً من الوقت لمعالجة أزمة بلاده، وإعادة الاستقرار واستعجال الإصلاح، مشيراً إلى جدّية الرئيس السوري في تحقيقه، معوّلاً على دور المملكة في إنهاء هذه الأزمة.

في وقت لاحق، أبلغ سليمان إلى رئيس المجلس نبيه برّي فحوى المكالمة الهاتفية، فترجمها مناشدة للعاهل السعودي التدخّل والاحتكام إليه لتحقيق مصالحة بين السوريين، وبين العرب، في برقية وجهها إليه في 13 تشرين الثاني، ثم انضم الرئيس ميشال عون الثلاثاء الماضي إلى المناشدة نفسها.

عبّر هذا التناغم في موقفي رئيسي الجمهورية والمجلس عن مقدار القلق الذي يرافق تفاقم الاضطرابات في سوريا ووطأة التدخلات الخارجية، وتداعيات ما يحصل فيها على جوارها. مع ذلك يبعث المسؤولون السوريون الكبار، السياسيون والأمنيون على السواء، على الارتياح أمام زوّارهم اللبنانيين حيال تطور الأحداث لديهم.
يستندون إلى الاعتقاد بتضاعف وطأة الضغوط كلما اقترب النظام من التضييق على المسلحين الذين يستهدفون الجيش وقوات حفظ السلام، وأعاد الجيش السيطرة على المناطق التي كانوا يتحركون فيها. يقلّل المسؤولون السوريون كذلك من وزر العقوبات الغربية وتلك التي يلوّح بها العرب، بعدما اعتاد الاقتصاد السوري المقفل التقشف عقوداً طويلة، رغم أنه لم يشهد الانفتاح سوى في العقد الأخير فقط.

ومن غير أن يفصحوا عن مصادر اطمئنانهم إلى مقدرة النظام على الصمود في مواجهة الحصارين النقدي والاقتصادي، يشير بعض المعلومات إلى أن المساعدات التي تقدّمها إيران لسوريا تسهم إلى حدّ كبير في تخفيف عبء المعاناة، وتقدّر هذه المساعدة بـ600 مليون دولار شهرياً. بل يذهب رجال أعمال سوريون، ملاصقون للنظام ويمثلون غطاءًَ اقتصادياً ومالياً مهماً له، إلى قول ما لا يجهله عنهم المسؤولون السياسيون والأمنيون، وهو انهم لا يتعلقون بالنظام القائم لأنه كذلك، بل لخشيتهم الحقيقية من مجهول لا يعرفون إلى أين يمكن أن يقود سوريا ومصالحهم. ليسوا متيقنين من نظام آخر يحلّ محله، ولا يتقبّلون الغرق في فوضى لا قعر لها. يتوقعون أن لا تطول الضائقة أكثر من شهر أو شهرين، إلا أن النظام سيظلّ حتى ذلك الحين متماسكاً وقابضاً على السلطة، وعلى السيطرة على الوضع الداخلي.

يطمئن المسؤولون السياسيون والأمنيون إلى تماسك الجيش من حول النظام. ينفون كذلك ما يشاع عن تضعضعه رغم الإقرار بفرار من صفوفه، إلا أن الفرق العسكرية الكبيرة لا تزال في صلبه، كي يؤكدوا بعد ذلك ـــ دحضاً لما يعدّونه شائعات ـــ أن الفرقة الرابعة التي يقودها العميد ماهر الأسد، شقيق الرئيس، لم تبرح مكانها، وهي لا تزال منتشرة في مراكز عملياتها لحماية النظام والعاصمة وريفها، ولم يُستعن بها لتنفيذ هجمات عسكرية في أرياف أخرى. يتحدّثون أيضاً عن دعم روسي لا يتوقف كانت إحدى مؤشراته الأخيرة البارزة زيارة بطريرك موسكو وعموم روسيا سيموليسك كيريللس سوريا واجتماعه بالأسد السبت الماضي.

الإشارات المتناقضة

أتى الاهتمام اللبناني بدور سعودي إيجابي حيال الأزمة السورية، في وقت أرسلت فيه المملكة الأسبوع الماضي إشارتين متناقضتين في حصيلة اجتماع وزراء الخارجية العرب السبت في القاهرة. أولاهما مشاركة وزير الخارجية سعود الفيصل في اجتماع نظرائه، وثانيتهما تصويت اليمن ضد قرار الجامعة العربية ربط تجميد عضوية سوريا فيها بعدم تنفيذها المبادرة العربية.

عندما كشفت المملكة الخميس الماضي عن مشاركة الفيصل في اجتماع الوزراء العرب، نظرت دمشق إلى ما كانت تتوقعه من هذا الاجتماع بكثير من الريبة، نظراً إلى العلاقة السلبية التي تربطها بالوزير السعودي، وإلى إصرار الأسد في كل اللقاءات التي كانت قد جمعته بالملك في الرياض أو دمشق منذ مصالحتهما في الكويت عام 2008، على عدم مشاركة الفيصل فيها، وحصر التفاوض والاتصالات بين دمشق والرياض بنجل عبد الله، الأمير عبد العزيز قبل تعيينه نائباً لوزير الخارجية بمثابة تأهيل مبكر لخلافة الفيصل وتعاطيه المباشر في السياسة الخارجية.

كانت دمشق، تبعاً للمطلعين عن قرب على موقفها، تتوقع قراراً تصعيدياً تتخذه الجامعة العربية ضدها تحت وطأة الدورين السعودي والقطري في قيادة الجامعة نحو عزل نظام الأسد، بيد أنها فوجئت باستعجال اتخاذ القرار السبت. كان لحضور الفيصل، بما يمثله لدى العرش السعودي من موقف بالغ العداء للأسد والنظام السوري، أثر في إخراج قرار الجامعة سريعاً. في المقابل، لم ينسجم تصويت اليمن ضد القرار مع المنحى السعودي في مقاربة أحداث سوريا، نظراً إلى أن الرياض لا تزال تشكّل رافعة لاستمرار نظام الرئيس علي عبد الله صالح وتحول دون انهياره، وتولّت معالجته على أراضيها بعد محاولة اغتياله.

ورغم الانطباع السلبي الذي تركته لديها مشاركة الفيصل في اجتماع الوزراء العرب، إلا أن الاتصالات التي كانت قد أجرتها الديبلوماسية السورية مع بعض الدول العربية حملتها على الاعتقاد بأن إمرار قرار ضد سوريا في الجامعة لن يحصل بإجماع أو بشبه إجماع، بل بالأكثرية. كانت سوريا تبلّغت من خمس دول عربية رغبتها في عدم التصويت على قرار ضدها، هي الجزائر وعُمان والسودان والصومال والعراق.

معظم هذه الدول، لأسباب مختلفة، أوحت للديبلوماسية السورية بميلها إلى موقف معتدل يحرم قرار الجامعة الإجماع، ولكنه لا يحول دون إمراره بأكثرية الدول الدائرة، عن قرب أو عن بعد، في فلك مجلس التعاون الخليجي وثنائي السعودية ـــ قطر. مع ذلك، ثبّت مجلس الجامعة سابقة 22 شباط عندما اتخذ بالأكثرية قراراً بتجميد عضوية ليبيا، متجاوزاً لأول مرة ميثاقها، وهو اتخاذ القرارات بالإجماع. وهكذا أحال التكرار السابقة عُرفاً يربط القرارات بالغالبية.

والواضح، في جانب من تجاذب دوري المملكة والإمارة، أن حضور الفيصل اجتماع القاهرة توخى عدم جرّ قيادة الموقف العربي المناوئ لسوريا بعربة قطر وحدها.